د. نادر نور الدين
تتربع مصر على قمة قائمة الدول الأعلى استيرادا للقمح منذ عام 2005 بكميات وصلت إلى نحو 12 مليون طن فى العام، ووصل السعر المعلن للقمح فى بورصة شيكاغو للحبوب عن الأسبوع الأخير من فبراير نحو 301 دولار للطن، بالإضافة إلى 30 دولارا تكاليف شحن. اعتمدت مصر ومعظم الدول العربية على المنشأ الروسى الأوكرانى بنسب تجاوزت 80% من إجمالى واردات القمح بسبب قرب المسافة وانخفاض تكاليف الشحن، وكذا لانخفاض أسعار القمح الروسى الأوكرانى عن القمح الأمريكى والأسترالى دون فارق كبير فى النوعية.
يعانى القمح كمحصول شتوى منافسة شديدة فى زراعته مع كل من البرسيم والفول والعدس وبنجر السكر والشعير وبعض الحاصلات الشتوية القليلة مثل الكتان والحمص، بسبب محدودية المساحة المحصولية والتى لا تتجاوز سبعة ملايين فدان حيث تمثل الزراعات المستديمة من قصب السكر وبساتين الفاكهة والموز والخضراوات نحو اثنين ونصف مليون فدان أخرى. وطبقا للتقديرات الرسمية لوزارة الزراعة تبلغ مساحات زراعة بنجر السكر نحو نصف مليون فدان تعاقدات مع مصانع سكر البنجر، والشعير نحو 350 ألف فدان تعاقدات مع شركات مشروبات الشعير، ونحو 200 ألف فدان للفول، و150 ألف فدان للكتان وبعض الزراعات الصغيرة، ونحو ألف فدان فقط للعدس بإجمالى نحو 1.25 مليون فدان، ولا يتبقى لزراعة القمح والبرسيم معا إلا 5.75 مليون فدان. كما أن زراعة البرسيم أكثر ربحية من زراعة القمح نظرا لأنه يعطى مبيعات لنحو أربع حشات يتجاوز 25 ــ 30 ألف جنيه ولا يحتاج إلى إضافة الكيماوى إلا بكميات قليلة، بينما تقل مبيعات القمح عن 20 ألفا وتحقق ربحا فى حدود 8 آلاف جنيه شاملة بيع تبن القمح، كما أن المزارع هو الذى يقوم بنفسه بتحديد سعر بيع البرسيم وليس أى جهة أخرى. فإذا افترضنا على غير الواقع أن مساحات البرسيم والقمح سوف تتساوى دون أفضلية لزراعة البرسيم فإن أقصى ما يمكن عمليا أن يزرع من القمح لا يتجاوز 3 ملايين فدان بإضافة بعض مساحات زراعة البطاطس والتى تزرع مبكرا فى أغسطس وسبتمبر وتحصد فى ديسمبر ويناير، ثم تزرع متأخرة فى يناير بالقمح وتعطى محصولا أقل. ومن السابق فلدينا آمال عريضة لزيادة مساحة القمح فى مشروعات الإصلاح الجديدة فى الدلتا الجديدة (2.5 مليون فدان بمعدل نصف مليون فدان كل عام)، وتوشكى 400 ألف فدان، وترعة السلام وشمال سيناء 620 ألف فدان، وشرق العوينات بنحو 200 ألف فدان، عندما يتم تدبير المياه اللازمة لرى جميع هذه المناطق باستثناء شرق العوينات التى تعتمد على المياه الجوفية.
وإذا افترضنا أن متوسط إنتاجية الأراضى المزروعة بالقمح قوية وضعيفة، وقديمة وصحراوية تتراوح بين 15و 18 إردبا للفدان (2.25 ـــ 2.75 طن للفدان) فإن المحصول المتوقع لمساحة زراعة 3 ملايين فدان سيتراوح بين (6.75 و8.25) مليون طنا على أرض الواقع وهو مايتماشى مع ماتم توريده لوزارة التموين فى العام الماضى والبالغ 4 ملايين طن رغم التوريد الإجبارى لكمية 12 أردبا للفدان كحد أدنى أى مايماثل نحو 75% من محصول الفدان، بما يعنى أن المحصول الفعلى للقمح فى مصر قد لا يتجاوز 6.5 مليون طن، وهذا يتماشى أيضا مع ما استوردناه من قمح فى العام الماضى بنحو 12 مليون طن (حكومة وخاص) وبالتالى يكون الاستهلاك الكلى للشعب المصرى 18.5 مليون طن سنويا بمعدل استهلاك 185 كجم للفرد سنويا كما تقدره وزارة التموين.
احتمالات زيادة محصول القمح من الفدان ليست عالية نظرا لوصولنا إلى معدلات إنتاج عالمية مرتفعة، وربما يسمح تطوير الأصناف بالوصول إلى 20 إردبا كمحصول للفدان (3 أطنان للفدان أو نحو 7.2 طن للهكتار (2.4 فدان) وهو معدل مرتفع عالميا. ويمكن الجزم بأنه لا يمكن تعميم إنتاجية بعض الحقول الإرشادية والتى يتوافر لها إضافة المعدلات السمادية العالية، وتطبيق كل سبل الزراعة الحديثة والآلية، نظرا لاختلاف التطبيقات ومستوى الفقر فى الريف فقد لا يستطيع بعض المزارعين إضافة كل الكميات السمادية الموصى بها ويكتفى بإضافة نصفها نظرا لضيق ذات اليد وارتفاع أسعار الأسمدة، وهذا يقلل محصوله بنحو 30%، بالإضافة إلى أنه عادة مايكتفى بإضافة الكيماوى فقط أى الأسمدة النتروجينية ولا يضيف الأسمدة الفوسفاتية ولا البوتاسية والتى تحسن كثيرا من كمية المحصول ونوعيته، كذلك قد لا تتوافر له الزراعة الآلية والتى تحتاج لإيجار معدات ينبغى توفيرها مستقبلا بأسعار رمزية تشجيعا للمزارعين، وأيضا اعتماد غالبية المزارعين على تقاوى أرضه من المحصول السابق نظرا لارتفاع أسعار التقاوى المعتمدة أو قلة توافرها ومغالاة شركات القطاع الخاص فى أسعارها. ويجب الإشارة هنا إلى أن زيادة المحصول علميا تكون بإضافة الأسمدة التى تزيد المحصول اقتصاديا، فإضافة أسمدة بمبلغ 200 جنيه ينبغى أن تزيد المحصول بمبلغ 300 - 400 جنيه، فإذا كانت إضافتها تزيد المحصول بنفس مبلغ تكاليفها 200 جنيه فينبغى عدم إضافتها والاستفادة بالأسمدة فى التصدير وهو مانسميه العائد الاقتصادى للأسمدة والبعد عن الاستهلاك الترفى للنباتات للأسمدة دون عائد. وكذلك فإن إقحام الحيازات القزمية فى الإنتاج ليس صحيحا حيث لا تأثير لها حتى الآن فى غلة المحصول، ويمكن مستقبلا بالتجميع الزراعى للحيازات الصغيرة توفير مساحات المراوى الداخلية للحقول بزراعتها رغم أنها تزرع فعليا، كما أن عودة الدورة الزراعية بعد قوانين تحرير التجارة والزراعة منذ عام 1993 ينبغى أن يكون بصرف حوافز للمزارعين حتى تكون بالتوافق.