بقلم: فيولا فهمي
قادتني الظروف المهنية لدخول إحدى المستشفيات الحكومية المعنية بالكشف على حالات الإنفلونزا الوبائية، وهي مستشفى حميات العباسية التي تُعتبر كبرى المستشفيات للكشف عن العدوى، ولأنى –لله الفضل والحمد- من أصحاب الخبرات المتميزة في التعامل مع المستشفيات الحكومية، فلم أصاب بالذهول من المشهد العام..
وإليكم تفاصيل المشهد كاملاً:
الساعة 12 ظهرًا..
حالة فوضى عارمة تشيع في مدخل المستشفى بسبب التزاحم على مكتب حجز التذاكر العلاجية، ثم الوقوف على هيئة صفين –أحدهما للنساء والآخر للرجال- أمام الممرضة المعنية بقياس الحرارة للمرضى أو حالات الاشتباه للإصابة بالمرض، فليس هناك سوى ترمومتر للنساء وآخر للرجال، يتم مسح الترمومتر بقطعة قطن بها "سبيرتو" بعد كل حالة –بالرغم من حتمية تعقيم الترمومتر لمدة لا تقل عن عشر دقائق–، إلا أن الجميع يستعمل الترمومترات الملوثة باستسلام ودون أدنى مقاومة!!
لفت نظري أن الممرضة التي تقوم بقياس حرارة حالات الاشتباه بالمرض لا تضع الكمامة بالرغم من أنها تتعامل عن قرب مع الحالات المرضية، ولذلك دفعني الفضول لسؤالها عن سبب الاطمئنان الذي يرتسم على ملامح وجهها بالرغم من أنها معرضة في كل لحظة للعدوى بالفيروس العنيد دون أن تحتاط منه وكأنها تفتح له ذراعيها، لتجاوبني الممرضة بكل اتزان وهدوء بكلمتين لا ثالث لها.. "سبيها على الله"!
لتجبرني نفسي بعد سماع هذه العبارة للتساؤل.. هل هذه هي بساطة المصريين المعهودة أم ثقافة الإتكالية التي تنخر في عظامنا أم تغييب وضحالة وعي –لعنهما الله- هما السبب وراء رد الفعل الغريب للممرضة؟
الساعة 2 بعد الظهر..
غرفة الكشف الوحيدة على حالات الاشتباه بالإصابة ليس بها سوى طبيبة واحدة فقط للكشف على جميع الحالات الذين يتجاوز أعدادهم 100 حالة على الأقل –وبالمناسبة هي أيضًا لا تضع الكمامة–، والغرفة لا يقف على بابها ممرض أو ممرضة لتنظيم حالات الكشف بأسبقية الحجز، ولذلك كانت هذه العوامل كافية لإشاعة الفوضى والتزاحم والتلاحم بين المصابين، أما الذين اقتحموا غرفة الكشف فقد أكدوا أن الطبيبة لا توقع الكشف الطبي عليهم بل توجه إليهم ثلاث أسئلة محددة... هل تعاني من القيء أو الإسهال أو درجة الحرارة المرتفعة؟ فاذا كانت الإجابة "نعم" يتم حجز المريض في المستشفى للاشتباه في الإصابة بفيروس انفلونزا الخنازير، وإذا كانت الإجابة "لا" يتم كتابة نوعية واحدة من المضادات الحيوية لجميع المرضى.
صورة الهلع والخوف التي تعلو وجوه الجالسين على المقاعد في انتظار الكشف، وصوت الأطفال الذين إحمرت وجوههم من البكاء وارتفاع الحرارة، وحالة الفوضى التي تعلو جنبات المكان وعدم تطهير الغرف أو أدوات الكشف...
تفاصيل المشهد الذي لم يفاجئني بقدر ما أحزنني وحفر مكانه في ذاكرتي، لتترسخ بداخلى قناعة بأن تلك المستشفيات ليست للعلاج بل لنقل العدوى.