عادل نعمان
وأرجو أن تجيب لنا سيرة الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان فى مسلسله الرمضانى المرتقب.. لماذا ظل على الحياد فى أحداث الفتنة الصغرى ومقتل «خليفته عثمان» وابن عمه ونصيره، وصاحب الفضل على بنى أمية قاطبة حين حاصره الثوار فى المدينة، وهو يستجير وينادى ويستغيث بأنصاره وعشيرته؟ وكان أولهم معاوية ابن العم فى الشام، وثانيهم عبدالله بن أبى السرح أخاه من الرضاعة فى مصر، وثالثهم أهله وأقاربه وأنصاره فى المدينة.
فما استجاب معاوية، وما لبى ابن أبى السرح، وما أغاثه أحد من أهله أو واحد من أسرى نعمه وإحسانه، وعلى السيد المخرج أن يظهر الصراع الداخلى عند معاوية حين تكاسل وتراخى عن إرسال المدد للخليفة عثمان فى المدينة «كما رآها الكثيرون» حتى قتله من ثاروا عليه، ويرفع معاوية قميص عثمان مطالبا الخليفة الجديد بالقصاص، وقد كان فى مقدوره بثلة من جنوده إغاثته ونجدته إذا أراد.
وعلى المؤلف البحث فى كتب التاريخ والتراث وفى روايات الحكائين عن مكان معاوية وأين اختفى طيلة حرب الجمل بين على وعمار بن ياسر وأبى ذر الغفارى من ناحية، وطلحة والزبير والسيدة عائشة من ناحية أخرى، ولم يحاول حقن دماء المسلمين.. خمسون ألف مقاتل وعشرون ألف قتيل من الطرفين، منهم طلحة والزبير من المبشرين بالجنة.
بل أعان جيش طلحة والزبير بخطابات التأييد سرا، وعليه أن يوضح لنا كيف استطاع ببراعة أن يترقب انتصار طرف على الآخر حتى ينقض على الطرف المنتصر المنهك والمجهد من جراء حرب شرسة ضروس «وقد رأى الكثيرون هذا أيضا».
وعلى السيد المؤلف أن يسرد لنا بدقة حقيقة رواية التحكيم وخدعته الكبرى، وماذا صنع عمرو بن العاص حين التحم الجيشان وفر كاشفا مؤخرته أمام على بن أبى طالب؟ وكيف رُفعت المصاحف على أسنة الرماح؟ وكيف خدع أبوموسى الأشعرى فى واقعة التحكيم أو قل مهزلة التحكيم الكبرى؟ وكيف يتحرى المؤمن الوفاء بالعهد، إذ كان المتفق بينهما أن يخلعا على ومعاوية.
فيتقدم أبو موسى الأشعرى ويخلعهما معا، ويتقدم الداهية عمرو ويخلع عليا ويثبت معاوية؟، وأرجوك أن تكشف لنا العدد الحقيقى لقتلى معركة «صفين».. هل سبعون ألفا من الطرفين أو أكثر أو أقل، ومَن مِن قتلى الطرفين شهيد؟!.
اكشف لنا يا سيدى حقيقة مقتل الحسن بن على بن أبى طالب بالسم (والمشهور أن الحسن مات مسموما.. هذا عن الحافظ بن حجر) أما عن قتادة: لما سأله الحسين من سقاك؟ فأبى أن يخبره، وقال بن الأثير فى أسد الغابة (إن زوجته جعدة بنت الأشعث سقته السم ومات منه، ويقول ابن كثير فى «البداية والنهاية»: (روى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سمى الحسن وأنا أتزوجك بعده.
ففعلت، فلما مات بعثت إلى يزيد فقال: أما والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟ وعندى «أى عند بن كثير» أن صحته عند معاوية، وعن بن عبدالبر: «أن طائفة ترى أن هذا بدسيسة من معاوية».. هل تستطيع سيدى أن تتناول هذا الزعم أو هذه الحقائق بحيادية أم أنك ستميل كل الميل كما مال غيرك فى سرد سير الخلفاء؟.
أما الجديد فهو مقتل عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، وكيف كانت من نصيب معاوية عند الكثير ونفاها البعض عنه، فيرى «الطبرى» (وكان السبب فى ذلك ما حدثنى عمر، قال حدثنى عن مسلمة بن محارب أن عبدالرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام، ومال إليه أهلها لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد ولغناه عن المسلمين فى أرض الروم وبأسه.
حتى خافه معاوية وخشى على نفسه منه لميل الناس إليه، فأمر «ابن أثال» أن يحتال فى قتله، وضمن له إن فعل هذا أن يضع عنه خراجه ما عاش وأن يوليه جباية خراج حمص، فدس له شربة مسمومة مع بعض مماليكه، فشربها ومات بحمص، ووفى له معاوية بما ضمن له).
وفى رواية أخرى، ذكر ابن الكلبى عن خالد بن سعيد عن أبيه أن معاوية لما أراد أن يبايع ليزيد قال لأهل الشام: (إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه، ودنا أجله، وقد أردت أن أولى الأمر رجلًا بعدى فمن ترون؟ فقالوا: عليك بعبدالرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة، وكان فاضلًا، فسكت معاوية وأضمرها فى نفسه، ثم إن عبدالرحمن اشتكى فدعا معاوية «ابن أثال»، وكان من عظماء الروم، وكان متطببًا يختلف إلى معاوية، فقال: ائت عبدالرحمن، فاحتل له، فأتى عبدالرحمن فسقاه شربة فانخرق عبدالرحمن ومات فى حينه)..
هذه الروايات على صدق ما جاء فيها وكذبها البعض، وغيرها كثير، حتى لتظن أن سيرة معاوية تحتاج إلى فريق من المحامين «قادرين على ضرب الأوراق» للدفاع عنها وتبرئتها.
فإذا زدنا على ما سبق بعض الاستفسارات عن إسلامه: كيف ومتى؟ وهل كان من كتبة الوحى، وهل الوحى فى حمى ثلاثة من هم؟ كما رواها أبوهريرة، وهل كان أول الملوك كما أقر وقال؟.. فنحن أمام سيرة، أوراقها تستحق البحث والتدقيق لا الترقيع، وإلا ستكون حكاية وراء الأبواب الموصدة، لن يسمع أو يشعر بصدقها أحد.
«الدولة المدنية هى الحل»
نقلا عن المصرى اليوم