حمدي رزق
لافت بشدة حالة كراهية للخضرة تعتمل فى بعض نفوس متصحرة، فتعمل فُؤُوسها الحادة فى أعناق الأشجار وارفة الظلال، تحيلها إلى أعجاز خاوية..

إذ فجأة تندلع مذبحة أشجار فى شارع «عبد العزيز آل سعود» بالمنيل، ما بين كوبرى الجامعة وكوبرى عباس.

«قاطع شجر» مثل قاطع طريق، يمتطى بعنفوان الشجرة من عنقها، ويقطع فروعها الخضراء من أعلى جذعها الذى يصرخ مذبوحا من الألم، فتسقط الفروع الخضراء كالجثة الهامدة على الرصيف، انتظارا لعربة نقل الجثث الخضراء.

مشهد محزن يقطع نياط القلوب المحبة للخضرة، أحصيت فى وقفتى ثلاث أشجار تعرّت من خضرتها فى ظرف نصف ساعة، صارت هياكل خشبية تنعى عمرها الذى سلبه من يكره الخضرة كراهية العمى.

تداخلت يائسًا محاولًا إنقاذ الشجرة الثالثة قبل أن تذبحها أيادٍ لا ترحم، وإيقاف المذبحة التى تمت بليلٍ، وفى شارع يشغى بالمارة، والنوادى المطلة على النيل، وتصدح موسيقى «حسن شاكوش» من المراكب العائمة لتضفى على المشهد كآبة بالغة، صارخا فى قاطع الشجرة من أسفلها وهو أعلى يذبح بفأسه عنق الشجرة الثالثة، وبعد أن أجهز على شجرتين كانتا تظللان سور مدرسة «النيل القومية المشتركة» الملون بصور كابية.. كفاية حرام؟!.. من ذا الذى أعطاك الحق فى ذبح الشجرة؟!.

قال بإهمال: الست مهندسة الحى، عندك جالسة تشرب شاى على الرصيف المقابل.. ذهبت إليها، فقالت: إحنا بنقلم الشجر، ولو عندك اعتراض روح الحى؟!.

بإصرار سألتها: هل هذا تقليم أم ذبح من العنق؟، لم تُحرِّ جوابًا مقنعًا، فقط تحركت من قعدتها تجتاز الشارع على مهل سقيم، وأعطت تعليمات لقاطع الشجر: خليك فى الفروع الرفيعة يا معلم؟!

لفتُّ نظرها إلى الضحيتين (الشجرتين) اللَّتين جز عنقهما الجزار فوق الشجرة، فقالت: عد ثلاثة شهور هتخضر تانى!

طيب وليه من أصله ما هى خضرة ووارفة الظلال ولا تشكل خطرا بل آية من آيات الجمال.. مثلا، هل تضرر أحد السكان؟، هل مدير المدرسة طلب ذبحها من عنقها خوفا على التلاميذ؟!

أشارت إلى مواطن صالح، وقالت: الرجل هذا صاحب الطلب، مواطن عادى يقف تحت الشجرة وهى تُذبح مغتبطًا بصنيعه الأثيم، سألته: سيادتك ساكن هنا، شغال فى المدرسة؟، كانت الإجابة الصادمة بالنفى، طيب ليه طلبت ذبح الأشجار، وكانت إجابته غريبة: لما نقلمها تطلع تانى، اُصبر ثلاثة شهور وهتشوف بعينك!.

سألت التى يقال لها مهندسة: هو أى حد يقدم طلبا بذبح شجرة فى أى شارع يوافق هواه، يُجاب طلبه دون تحرٍّ وبحث وتدقيق؟!.. الشارع واسع والشجرة لا تقطع طريقا. ردت بتحد: طبعا أى مواطن من حقه الطلب، ولو سيادتك عاوز تقطع أى شجرة.. فقط قدم طلبا وإحنا نقلمها لك؟!.

عاودت السؤال: أقله صاحب الطلب يكون متضررا، صاحب مصلحة، ولا ضرر ولا ضرار.. ردت: عليك بالحى وسيبنا نشوف شغلنا.. تبقت لنا شجرة، وعلشان خاطرك هنقف لحد كده!.

عند هذا الحد انسحبت ساخطًا، ولكن أنقذت ما تبقى من الشجرة الثالثة وبقية أشجار الشارع.

والسؤال على لسان طيب الذكر «صلاح عبدالصبور»: كيف ترعرع فى وادينا الطيب.. هذا القدر من كارهى الأشجار؟!.
نقلا عن المصرى اليوم