ما هي أسرار اختيار البابا كيرلس السادس بالقرعة الهيكلية أول مرة في عهد جمال عبد الناصر؟ وما أسرار حل المجلس الملي وماهي قصة العشرة آلاف جنيه من عبد الناصر للبابا كيرلس؟ وماهي قصة الصراعات علي لائحة انتخاب البطريريك وبقاء الكرسي البابوي ٣ سنوات فارغا؟ تساؤلات وأسرار تكشف عنها “البوابة نيوز” عبر السطور التالية:
كان جمال عبد الناصر قد انتخب رئيسا للجمهورية عبر استفتاء شعبى وهو إجراء جديد فى مصر عام 1956 ورغم اعتراض المجلس الملى على لائحة انتخاب البطريرك إلا أن المجلس فوجئ بصدور قرار جمهورى بلائحة جديدة تضمنت كل مطالب الاكليروس، رجال الدين، وحددت آخر موعد للترشيح 25 يناير 1958. ومن المدهش أن بعض بنود اللائحة مازالت سارية حتى الآن تضمنت ألا يقل سن المرشح عن أربعين عاما. وهذا هو الشرط الذي أبعد كوكبة من الرهبان الشبان منهم انطونيوس السريانى (الانبا شنودة فيما بعد)، كما اشترطت اللائحة 15 عاماً حياة ديرية وهو الشرط الذى أبعد به البابا شنودة فيما بعد القمص متى المسكين ولكن عبد الناصر الذى انتخب رئيسا للدولة وهو فى سن 36 عاما رفض اعتراضات المجلس الملى واستبعد المرشحين الجدد وتبقى 5 فقط انتخب منهم البابا كيرلس السادس.
القرعة الأولى تاريخيا
أول اختيار وفقًا للقرعة الهيكلية كان من نصيب البابا كيرلس السادس، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وهو البطريرك الـ116، والذي أتى في المركز الأخير من بين المرشحين الثلاثة المنتخبين، بينما كان البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117، ثاني من يتم اختياره بالقرعة، وكان حاصلا على المركز الثاني من ضمن ثلاثة، واختير بابا، وفقًا للقرعة الهيكلية، في 31 أكتوبر عام 1971، ويأتي ثالثهما الذي تم اختياره عن طريق القرعة الهيكلية هو البابا تواضروس الثاني في 4 نوفمبر 2012.
الصراع بين البابا كيرلس والمجلس الملي
واستمر الصراع بين البابا كيرلس السادس والمجلس الملى وإزاء ذلك توجه البابا كيرلس السادس إلى جمال عبد الناصر وعرض عليه الموضوع، فأمر عبد الناصر بصرف تبرع من الدولة الى الكنيسة 10 آلاف جنيه مع حل المجلس الملى وتشكيل لجنة برئاسة الانبا كيرلس فى 1967 واستمر المجلس محلولا إلى أن أعاده البابا شنودة الثالث بعد تنصيبه بطريركا فى 1971.
انتخاب البابا شنودة والصراع المتجدد
وجه الأنبا غريغوريوس أسقف الخدمات والبحث العلمى كتبا بعنوان: ”إيضاح وبيان للمبادىء العامة الأساسية فى موضوع انتخاب البطريركية أو كتاب مفتوح للمجلس الملى بالاسكندرية بتاريخ 1\3\1971 يقول فيه (إنى أرى أن اللائحة الحالية للانتخاب البطريرك لائحة خاطئة من ألفها إلى يائها، خاطئة أصلا وفرعا، وأكد أحكم بأننى أجد من العار على كنيستنا معلمة المسكونة أن تكون لها فى النصف الثانى من القرن العشرين لائحة كهذه جانبت الصواب من كل جهة، وتحت مسئوليتى أقرر أن هذه اللائحة ليست أنجيلية لأنها تعارض الكتاب المقدس نصا وروحا، وليست كنسية لانها تعارض القانون الكنسى نصا وروحا) وتصف ايريس حبيب المصرى فى كتاب تاريخ الكنيسة القرعة الهيكلية ص217: (بأنها مبدأ يهودى لم يستخدم إلا حينما أراد التلاميذ الاثنى عشر اختيار بديل للخائن يهوذا الاسخريوطى).
وبالعودة الى كتاب الأنبا غريغوريوس مرة أخرى نجد أن اللائحة الاستثنائية والتى أقرت بأن يكون البطريرك من الرهبان لن تراعى ان مجموعة البطاركة الذين اعتلوا الكرسى البابوى وعددهم 116 (قبل البابا شنودة) كانوا موزعين كالتالي:
أولا: من رؤساء وأساتذة وعلماء مدرسة الإسكندرية خمسة بطاركة، وكان هذا هو عصر العلم الذي كان يلزم عرفيا ان يكون البطريرك من العلماء بمدرسة الاسكندرية.
ثانيا: من سكرتيرى وتلاميذ الباباوات السابقين، وعددهم 7 وهى مرحلة انتقالية بين المسيحية العلمية والنسكية.
ثالثا: من الكهنة المتبتلين- من المتزوجين ولكنهم ليسوا رهبانا ويعملون وسط الناس – علمانيين) وعددهم 22 بطريركا.
رابعا: من الشمامسة (من غير الرهبان) 4 بطاركة.
خامسا: عصر الرهبان: 73 بطريركا جاء ذلك بعد الحركة العلمية وحرق مدرسة الإسكندرية.
سادسا: من العلمانيين المتزوجين واحد وهو البطريرك انيانوس الثانى.
سابعا: من البطاركة العلمانيين المترملين (الذين توفت زوجاتهم) واحد وهو البابا يوحنا السادس (البابا ال47)
ثامنا: من العلمانيين - غير الرهبان والمتبتلين 4 بطاركة.
تاسعا: من المطارنة والأساقفة: 5 باباوات عاشرا: من أساقفة غير المتزوجين - المتبتلين (من من لم يكونوا قبل من الرهبان اثنين من البطاركة الحادي عشر من المتبتلين (لكن من غير المعروف يقينا ما إذا كانوا كهنة أو شمامسة أو علمانيين) 4 بطاركة.
ومما سبق ان الاختيار القسرى للبطريرك عبر القرعة الهيكلية المختلف عليها لم تنشأ ألا إبان المرحلة الناصرية 1959 وحتى اختيار البابا كيرلس السادس والانبا شنودة الثالث، والانبا تواضروس الثاني لأنه من غير المعقول أن يأتى عبد الناصر من غير استفتاء شعبى فى حين يأتي البطاركة بالانتخاب الحر المباشر.
وهكذا جرى انتخاب البابا شنودة الثالث يوم الجمعة 29 أكتوبر 1971 بالقرعة الهيكلية رغم انه حصل على المركز الثاني للانتخاب434 صوتا فى حين حصل المتنيح الأنبا صموئيل على المركز الأول 440 .والمتنيح القمص تيموثاوس المكارى بـ 312 صوتا وأجريت القرعة الهيكلية فى 31 أكتوبر 1971. ومن الملاحظ أن لائحة 1957 تقر بأحقية المطارنة في الترشح، ولكن القائمقام الأنبا أسانثيوس مطران بني سويف والذي شغل هذا المنصب منذ وفاة الأنبا يوساب الثاني 13 نوفمبر 1956 وحتى انتخاب الأنبا كيرلس السادس وإجراء القرعة الهيكلية 17 مارس 1959 قرر عدم قبول أوراق المطارنة للترشيح ووافق على ذلك حينذاك المجمع المقدس، كذلك فعل نفس الأمر القائمقام الأنبا أنطونيوس بعد رحيل الأنبا كيرلس السادس في 9 مارس 1971 وحتى الاختيار الإلهي بالقرعة الهيكلية للأنبا شنودة الثالث في 31 أكتوبر 1971.
كما يلاحظ أن أطول فترة شهدت الكنيسة فيها فراغاً بابوياً وهي ثلاث سنوات منذ وفاة يوساب الثاني وحتى تنصيب كيرلس السادس، وأقل فترة وهي سبعة شهور كانت منذ وفاة الأنبا كيرلس السادس وحتى تنصيب البابا شنودة الثالث. ولا أجد ما أختم به سوى جزء من حوار مع الراحل الأنبا شنودة الثالث نشر للباحث في كتاب “الأقباط بين الحرمان الوطني والكنسي”، يقول قداسة الأنبا شنودة للباحث: “كان المرشحون خمسة، وكان الرئيس السادات قد أخبر المجمع المقدس أنه يفضل السرعة والهدوء، ومن يختارونه سوف يوافق عليه، وأجريت الانتخابات فيما بيننا- وكنت الأول في الترتيب- والثاني هو الأنبا صموائيل والثالث هو القمص تيموثاوس المقاري، وكان الأنبا أنطونيوس هو القائمقام البطريركي، وقد رأى أن تستمر الانتخابات المجمعية حتى يكون هناك مرشح واحد، ولكني اصريت على هذا الأمر برغم أن ترتيبي في تصويت المجمع المقدس كان الأول، وقلت للجميع أن هذا الأسلوب يتناقض مع قوانين الكنيسة التي تقول بأنه من حق الشعب أن يختار راعيه،- ويتساءل الأنبا شنودة-: “فهل نستطيع أن نغفل الشعب؟”.
ويضيف قداسة البابا شنودة: سألني الأنبا أنطونيوس: وهل يرضيك أن تنزل إلى انتخابات ومهاترات وتجريح حتى إذا “نجح” أحدنا بطريركاً وصل إلى الكرسي البابوي مجرحاً؟ فقلت له: “وأيضاً فإن انتخابي في غرفة مغلقة سيكون سبباً للتجريح، وتقرر عرض الأمر على مجموعة من الشعب وهي لجنة إدارة أحوال البطريركية، والتي حلت محل المجلس الملي الذي أغلقت أبوابه 1967، وهيئة الأوقاف القبطية، وانتهى الرأي في هذا الاجتماع المشترك بتطبيق لائحة 1957 كما هي”. انتهى كلام قداسة البابا شنودة الثالث، والذي يؤكد على شيئين أساسيين وهما احترام قداسته للديموقراطية الكنسية من جهة، ولحق الشعب في انتخاب البطريرك من جهة أخرى.
من التاريخ للحاضر الآتى: ترى هل هناك دروس مستفادة وأوجه شبه بين الماضى والحاضر؟.. هل يلقى البابا تواضروس الثانى مصير البابا كيرلس الرابع أبوالإصلاح؟ أو مصير كيرلس الخامس لوطنيته؟ أو يتكرر معه ما حدث مع مكاريوس الثالث لانحيازه للعلمانيين؟ أو أن التاريخ لا يعيد نفسه كما قال كارل ما ركس، إلا مرتين «مرة فى شكل مأساة وأخرى فى شكل مهزلة»، حفظ الله الوطن والكنيسة.