حنان فكرى
قبل أربع سنوات كان رضيعا,لايعرف عن الحياة إلا الأنفاس التي يحظي بها منحة من الخالق, لم يكن يعلم حتي أنه جاء إليها مرفوضا من والديه,فهرب أحدهما وألقي به الآخر في دورة مياه إحدي الكنائس بمحافظة الجيزة,ولأن الله لا يترك حتي الطيور في أعشاشها, سخر له امرأة حرمتها الأقدار من نعمة الإنجاب ما يربو علي ربع قرن, فتلقفته لترعاه كأم بديلة عن الرحم الذي لفظه والقلب الذي رفضه, واعتبرته هذه المرأةآمال ميخائيل هدية من السماء- حسب تعبيرها- عاش أربع سنوات طفلا مسيحي الديانة,تحت اسم شنودة, منسوبا إلي زوج آمال ويدعي فاروق فوزي,واعتبراه عوض السماء عن ليالي الحرمان,إلي أن تقدمت إحدي أقارب الأب ببلاغ للشرطة تتهمه بنسب الطفل له بما يمنحه حقا في الميراث, أعماها الطمع في المال,فغيرت مصير أسرة, وهدمت مستقبل إنسان, وحولته من صغير آمن في حضن أبوين إلي يتيم في دار إيواء, ثم فتحت النيابة العامة تحقيقا بحضور مسئولي وزارة التضامن الاجتماعي, واستجوبت فاروق وآمال اللذين أقرا بأنهما لم ينجبا شنودة, واعتبرتهما حسنا النية,لكنها أودعت الطفل دار إيواء في الحال, انتزعوا شنودة من الأسرة ليضعوه في الملجأ, وما أدراكم بالملاجئ.
إلي هنا تبدو الأمور بها مخالفة قانونية ارتكبها الأبوان,لكن ما البديل الذي كان أمام قلب محروم ورضيع مرفوض؟ قامت الدنيا ولم تقعد, هل شنودة مسيحي الديانة أم مسلم بالفطرة لأنه غير معلوم النسب, والعجب كل العجب لمن يسأل هذا السؤال أن الولد وجد داخل الكنيسة وليس في الشارع ولا أمام مسجد كما هو شائع في مثل هذه الحالات- ما علينا- تحولت القضية إلي قضية رأي عام, يتم نظرها حاليا أمام ساحات القضاء, ومن المعلوم أن أية قضية مازالت قيد النظر لايتم البت في أي إجراء يخص أطرافها, فكيف اتخذت وزارة التضامن إجراءات تمس هوية الطفل شنودة؟ وقامت بتغيير أوراق الطفل وديانته وغيرت اسمه ليصبح يوسف.
ما أقدمت عليه وزارة التضامن الاجتماعي بتغيير اسم وديانة الطفل, لايستند إلي أي نص قانوني أو سند تشريعي,بل يستند للمزاج الديني للمسئولين, فعندما يكون الأب والأم معروفين ينص القانون علي تبعية الأطفال لديانة الأب,ولكن في حالة أنهما مجهولان يتم اللجوء لنشأة الطفل, وهذا ليس من عندياتي ولكنه الرأي القانوني للدكتور إيهاب رمزي عضو مجلس النواب, وحيث إنه وجد داخل الكنيسة وتعمد وتربي داخلها ومع أسرة مسيحية فهنا يظل الطفل علي هذه النشأة, لذلك فإن تغيير ديانته واسمه أمر لا ينص عليه أي قانون, وما يدعم هذا التفسير هو موقف المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي استخدم صلاحياته الواردة في القانون وانضم لفريق الدفاع في قضية الطفل شنودة في الدعوي رقم73338لسنة 76 التي تهدف إلي إعادة لم شمل الأسرة البديلة تحقيقا للمصلحة الفضلي للطفل, ووجه بدراسة واقتراح ما يلزم من تعديلات تشريعية وإجرائية لرفعها للجهات البرلمانية والحكومية المعنية, لأن انتزاعه منها وإيداعه في دار إيواء يتنافي مع نص وفلسفة المادة80 من الدستور والتي تنص علي أنالدولة تعمل علي تحقيق المصلحة الفضلي للطفل في كافة الإجراءات التي تتخذ حيالهكما يتعارض الإجراء مع فلسفة وجوهر قانون الطفل واتفاقية حقوق الطفل والمعايير الدنيا لحقوق الطفل, وفقا لتصريحات السفيرة مشيرة خطاب, رئيسة المجلس,فهل المزاج الديني يتحكم في مصير طفل لا حيلة له في نفسه؟ هناك مجتمعات بلا دين لكنها لم تفقد الإنسانية بعد, وهناك مجتمعات متدينة بطبيعتها لكنها لا تعرف عن الأديان سوي بضعة حروف في بطاقات الهوية وكأننا في سباق بين الأغلبية والأقلية العددية.
إن قضية شنودة تفتح ملف كفالة الأطفال المسيحيين, الذي يخبرنا عنه الكتاب المقدس في سفر الخروج في قصة امرأة عبرانية تدعي يوكابد أنجبت
ابنا في وقت كان فرعون فيه قد أصدر أمرا بقتل جميع مواليد العبرانيين من الذكور. أخذت يوكابد سلة ووضعت فيها مواد عازلة ضد الماء, ثم وضعت الطفل بها وتركته في النهر, رأت إحدي بنات فرعون السلة وأخذت الطفل منها, ثم تبنت الطفل ليصبح عضوا في العائلة المالكة وأطلقت عليه اسم موسي, كبر موسي ليصبح خادما أمينا مباركا لله, فطوبي لمن يقرأ ويفهم.
نقلا عن الوطن