"" بقلم المهندس باسل قس نصر الله 

 
 نشرت وزراة الدفاع الأميركية تقريراً ينصّ على أن المواجهة الإستراتيجية مع روسيا ستكون إحدى مهامها الرئيسية لعام 2018 مع التذكير بأن الكونغرس كان قد طلب من البنتاغون إعداد خطةٍ عسكرية تسمح لأميركا بتوجيه ضربة نووية لروسيا والصين دون أن يتمكنا من الرد، وذلك عقب تولي "دونالد ترامب" الرئاسة. 
 
 هناك مبدآن معروفان تحكّما بعد الحرب العالمية الثانية بالعلاقات الدبلوماسية للدولتين "السوفييتية والأميركية" هما احترام  خطوط الفصل العسكرية والحرص على عدم تجاوزها من قبل الجيوش النظامية، ثم ثانياً عدم التدخل في كافة الحدود والأنظمة الداخلية للدول، بالوسائط السياسية أو شبه العنيفة. هذا هما المبدآن الأساسيان لما يسميه البعض "بالحرب الباردة" ويسميه  آخرون "بالتعايش السلمي". 
 
اليوم تلعب كلٌ من أميركا وروسيا لعبة "البوكر"، واليوم أكثر من أي يومٍ مضى يستخدم العالم المخاطرة بحيث يلعبون على حافة الهاوية، حيث يمكن لمن  يمتلك قوة  نووية ولو صغيرة، ويعطي الآخرين إنطباعاً بأنه غير مسؤولٍ ولا واعٍ لِما يمكن أن يترتب عن عمله من نتائج، يستطيع أن يمارس لفترة معينة تأثيراً رادعاً كبيراً، من خلال عملية "إثارة الرعب" بإمكانية استخدامه للسلاح النووي، وهي حافة الهاوية وخير مثال عليها هو "كوريا الشمالية". 
 
يعرف الرئيس الروسي"فلاديمير بوتين" أن الرئيس الأميركي "جون كينيدي" كان قد أكّد عام 1960 أن القوة النووية يجب أن لا تُستخدم كسلاح في "الضرية الأولى" بل كوسيلة "لصدّ" الهجمات المعادية وطالَبَ "كينيدي" بتقوية صناعة الأسلحة التقليدية التي يمكن أن تُستخدم في "الحروب المحدودة" في مناطق العالم المختلفة.
مضى أكثر من ستين عاماً على هذا الكلام ويعرف الرئيس "بوتين" أن أميركا تملك مخزوناً كبيراً من الأسلحة التقليدية وهي لن تستخدم السلاح النووي في أي حرب كضربةٍ أولى. 
 
وقدّرت إدارة الرئيس الأميركي "جون كينيدي" حينها، أن الصراعات المستقبلية لن تكون نووية بقدر ما ستكون متوافقة مع واقع الحال. وأوضَحَت العقيدة الاستراتيجية الجديدة - بلا لَبس - والتي أطلقوا عليها تسمية "الرد المرن" أن الرد على العدوان السوفييتي "الروسي حالياً" سيكون في المستوى عينه، وباستعمال الأسلحة نفسها، أي إذا تم استخدام الأسلحة الكلاسيكية فسيكون الرد بها فقط ... ولأجل ذلك يبتعد "بوتين" عن استخدام السلاح النووي. 
لقد أضحى السلاح النووي بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 العقبة الأساسية أمام الحرب الشاملة، التي قد تعني عندئذٍ، إشتعال حريق مستطير. 
 
في عام 1992، دعا المختبر الأميركي "لوس آلاموس" للأسلحة النووية لتصنيع أسلحة نووية منخفضة المستوى تستطيع أن تُشكل رداً فعالاً وموثوقاً ضد التهديدات النووية المستقبلية في العالم الثالث، وفي عام 2003 أعطى الكونغرس الأميركي "الضوء الأخضر" لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في الحروب غير التقليدية. 
 
إن الرئيس الروسي يعرف أن هناك أسلحة نووية تكتيكية موجودة وسوف تُستخدم منعاً لاستخدام أسلحة نووية شاملة. 
نعود إلى لعبة "البوكر" فالمخططون والعسكريون والسياسيون يعلمون أن أي إستراتيجية رادعة نووية يجب أن تستوفي ثلاثة شروط في الأقل كي تكون ذات مصداقية. أولاً، قدرة الرد التي تتيح النجاة من هجوم العدو، وهي ما يسميها الإستراتيجيون في العصر النووي "قدرة الضربة الثانية" ثانياً، وهذا مرتبط بقدرة الرد، التي تحدثنا عنها، نظام حماية مناسباً، ثالثاً، وجود قناعة لدى المعتدي بأنه سيواجه خصماً حازماً. 
 
ويعرف "بوتين" أن حرب أوكرانيا هي حربٌ بالوكالة، تبقى فيها الولايات المتحدة وبعض أوروبا خلف الستار الأوكراني. 
 
ويعرف جميع السياسيين والإستراتيجيين النووين أن الدول لا تهدد بالإنتحار، إلا إذا كان الأمر يتعلق بالدفاع عن وجودها. وهكذا يمكن القول بأنه لا بد أن يوجد، داخل كل دولة نووية، تمييز بين أرض محرّمة مقدّسة وأرض ليست كذلك. وبناء عليه فإن شبه جزيرة القرم والمساحات التي أخذتها روسيا في حرب أوكرانيا، قد ضمّتها إلى ترابها الوطني لتصبح بذلك أرضاً محرّمة. 
 
إن "بوتين" يعرف أن التصميم على التصعيد عند الضرورة يعتبر ضرورياً لفعالية استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة الكلاسيكية، ولكن الإستراتيجيين الأمريكيين لم ينكروا ذلك أبداً. فعقيدتهم تعتمد على "المجازفة" ولكنها لا تؤمِن "بحتمية التصعيد" لذلك  يمكن القول بأنه لا بد من التهديد  بالتصعيد مع  بذل الجهد لتجنبه في الوقت نفسه.
 
أخيراً، إن حل المشاكل بالقوة يفتح الطريق إلى التصعيد، والتصعيد يفضي إلى الحرب النووية التكتيكية أولاً والشاملة وذلك حسب نتائج لعبة البوكر. 
الجميع على طاولة البوكر وأوكرانيا هي الورقة الرابحة.
اللهم اشهد اني بلغت