بقلم/ماجد كامل
دعت المسيحية الي الحياة التكاملية بين الروح والنفس والجسد والعقل والعلاقات ؛فلقد قيل عن السيد المسيح أنه كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس (لو2 :52 ) . فالمسيحية تريد من كل انسان أن يكون :-
1-ممتليء روحيا
2-ناضج عقليا
3- متزن نفسيا
4- صحيح جسديا
5- ناجح في علاقاته الإجتماعية
ولقد كان قداسة البابا شنودة الثالث – نيح الله نفسه في فردوس النعيم - ؛يعتبر نموذجا رائعا لهذا التكامل ؛فنحن نري في حياة قداسته هذا التكامل الرائع ؛ وفي هذا المقال سوف نعرض لبعض مظاهر هذا التكامل في حياة قداسته كما يظهر سواء في فكره أو مواقف من حياته
أولا :- ممتليء روحيا :-
فقداسته كان نموذجا رائعا نموذجا رائعا للشخص الممتليء روحيا ؛ فلقد نذر نفسه للحياة التكريس منذ فجر شبابه ؛وفور تخرجه من الكلية الاكليركية عام 1949 ؛وكان عمره وقتها حوالي 26 عاما ؛فلقد استقال من عمله ليتفرغ لخدمة الرب من خلال تكريس حياته للتدريس في الكلية الاكليركية ؛كذلك خدمة اتربية الكنسية في كنائس شبرا ؛ ولم يكتف قداسته بذلك ؛بل اشتاقت نفسه أكثر للحياة الرهبنة ؛فتوجه إلي دير السريان طالبا الرهبنة في 18 يولية 1954 ؛وكان عمره وقتها حوالي 31 عاما ؛ولم يكتف بذلك بل خرج إلي حياة الوحدة طالبا التوحد في مغارة في الجبل ؛ ولم يخرج من المغارة إلا عندما طلبه قداسة البابا الراحل المتنيح البابا كيرلس السادس لينضم إلي السكرتارية الخاصة بقداسته تمهيدا لرسامته اسقفا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية في 30 سبتمبر 1962 ؛ ومن يومها وهو يقيم اجتاعيا اسبوعيا لدراسة الكتاب المقدس والعظات الروحية المتنوعة ؛ وبعد أن اقامه الرب بابا وبطريركا للكرازة المرقسية في 14 نوفمبر 1971 ؛ لم ينقطع قداسته عن الأجتماع ؛ بل أستمر يقيمه أسبوعيا كل يوم جمعة ؛ ثم كل يوم أربعاء بعد ذلك ؛ ولم ينقطع قداسته عن هذه العادة ؛ فمازال يقيم اجتماعه الاسبوعي الذي يحضره الالاف ؛ هذا غير الملايين الذين يتابعونه علي القنوات الفضائية ؛متلهفين لسماع عظات قداسته المشبعة ؛ومن يتأمل كتابات قداسته المتنوعة ؛يجد فيها عمقا روحيا ؛ فكتب مثل إنطلاق الروح ؛ حياة التوبة والنقاوة ؛معالم الطريق الروحي ؛ التلمذة الروحية ؛ 100 كلمة منفعة ؛خبرات في الحياة الروحية(جزءان) ؛ عشرة مفاهيم ؛ حياة الإيمان ؛ لماذ القيامة ؟ ؛ تأملات في أسبوع الآلام ؛ الغيرة المقدسة ؛اليقظة الروحية ؛ الحروب الروحية ؛ حروب الشياطين ؛ الدموع في الحياة الروحية ......ألخ . وفي مجال الكتاب المقدس نجد كتب مثل (السيدة العذراء ؛ آدم وحواء – قايين وهابيل – أيوب الصديق – ناظر الإله مامرقس الرسول ... تأملات في سفر يونان – تأملات في سفر نشيد الأناشيد – آيات للحفظ – الموعظة علي الجبل ..... ألخ) . وفي مجال الدراسات اللاهوتية والعقائدية نجد 🙁 طبيعة المسيح – لاهوت المسيح – الخلاص في المفهوم الآرثوذكسي – بدعة الخلاص في لحظة – قانون الإيمان – الكهنوت – لماذا نرفض المظهر؟ ..... الخ).
ثانيا - ناضج عقليا :-
كذلك أيضا من يتأمل حياة قداسته يجد نموذجا رائعا للنضج العقلي ؛فقداسته كما يقول عنه كل الكتاب والمفكرين دائرة معارف متنقلة ؛ فهو يقرأ منذ فجر شبابه ؛ فلقد ذكر أنه قرأ في مرحلة الثانوي كتاب "قادة الفكر "لعميد الادب العربي الدكتور طه حسين ؛ وجميع كتابات العقاد وتوفيق الحكيم وسلامة موسي ؛ كذلك أهتم قداسته بكتابة الشعر منذ فجر شبابه ؛حتي أنه امتحن في شعره وهو في مرحلة البكالوريا ؛ فقد طلب منه مدرس اللغة العربية أن يتلو عليه أحد القصائد ؛فقال له أي شاعر ومن أي عصر ؛فسأله المدرس هل تعرف جميع الشعراء في جميع العصور ؟ أجاب قداسته نعم ؛فسأله هل تحب الشعر ؟ أجاب نعم ؛ وهل تقرضه أيضا ؟ أجاب قداسته نعم ؛ فقال له المدرس أذن أسمعنا بعضا من شعرك . ولقد حرص قداسته علي تعلم بحور الشعر من خلال تردده علي دار الكتب بباب الخلق ؛ وكذلك من يتأمل السيرة الذاتية لقداسته نجد أنه حصل علي ليسانس الأداب قسم التاريخ عام 1947 ؛ بكالوريوس الكلية الأكليركية عام 1949 ؛ ولقد اعترفت الجامعات العالمية بثقافة قداسته الواسعة ؛ فحصل علي تسع شهادات دكتوراة فخرية من كبري الجامعات العالمية . وفي مكتبته الشخصية يحتفظ بجميع دواوين الشعر لكبار الشعراء مثل أحمد شوقي ؛حافظ إبراهيم؛ خليل مطران ؛جبران خليل جبران ؛أيليا أبو ماضي ؛ ميخائيل نعيمة . ويحتفظ قداسته بمكتبته الخاصة بمجموعة كبيرة من دوائر المعارف والموسوعات بلغات مختلفة وطبعات مختلفة ؛ ولقد أهدي قداسته المركز الثقافي القبطي بعض من هذه الموسوعات . ولقد أنعكست هذه الثقافة الموسوعية علي كتب وعظات قداسته ؛ فنراه متابعا لجميع الانجازات العلمية معطيا رأي المسسيحية فيها . كذلك اعطت هذه الثقافة الموسوعية لقداسته مقدرة هائلة علي التفكير العقلاني والمنطقي ؛ وتظهر هذه المقدرة عندما يعرض عليه الشعب بعض المتاعب والمشكلات ؛ كذلك المشاكل الطائفية التي واجهت الكنيسة في عصر قداسته وكيف واجهها بعقلانية شديدة ؛وايضا بهدوء نفسي شديد . وهذا ينقلنا إلي السمة الثالثة في شخصية قداسته وهي
ثالثا :- متزن نفسيا
فقداسته يتمتع بهدوء وسلام عجيب ؛ وعندما سأله أحد المذيعين متي تنزعج قداستكم ؟ أجاب أنا لا أنزعج أبدا ؛ فلقد دربت قلبي منذ فجر شبابي علي ان يتسع قلبي ليبتلع أي مشاكل أو ضيقات أو أحزان . فالضيقة هي التي يضيق القلب علي أحتمالها ؛ أما أنا فقلبي متسع دائما لتحمل جميع الضيقات . لذلك فقداسته دائما هاديء ومبتسم وبشوش ؛حتي في أشد اأزمات والاضطرابات نجد قداسته يتقبل الأمور بهدوء وأبتسامة ومرح ؛ وشعاره المفضل الذي يردده دائما :- ( ربنا موجود - كله للخير – مسيرها تنتهي) . وبهذا الهدوء والسلام النفسي العجيب استطاع قداسته أن يعبر بالكنيسة وبشعبه العديد من الأزمات والمتاعب والضيقات بدون مشاكل أو أزمات ؛كذلك أنعكس هذا الهدوء علي شعبه وعلي الكنيسة فلم تضطرب ولم تقلق ؛ فبسلامه يكون للكنيسة سلام .
-
رابعا :_ سليم جسديا
رغم أن قداسته عاش حتي وصل إلي نهاية الثمانيتات تقربيا ؛ إلا ان جهد قداسته لم يتأثر بل علي العكس كان يزداد نشاطا وتألقا فكنا نراه يخرج ويفتقد شعبه في مصر والمهجر بدون ملل ولا كلل . وفي القداسات كنا نراه واقفا في خشوع مهما كان متعبا أو مرهقا . وفي الاجتماعات يقف ليسلم علي شعبه واحدا فواحدا . وفي كل عظات قداسته يدفع الشباب دفعا إلي الاهتمام بصحتهم الجسدية عن طريق البعد عن الخمر والمخدرات والشهوات الشبابية ؛كذلك يطالبهم بالاهتمام بالغذاء المتوازن والرياضة الجسدية .
خامسا :- ناجح في علاقاته الإجتماعية :_
ولعل هذا البعد وحده يحتاج إلي مقال مستقل ؛ فقداسته كان محبوبا من الجميع ؛مصريين وأجانب ؛ مسيحين ومسلمين ؛ آرثوذكس وغير آرثوذكس ؛ فالجميع أحب قداسته وأفتخر به ؛ وهذا واضح كأشد ما يكون الوضوح في محاضرات وقداسات قداسته الأسبوعية وكيف كان يستقبله يستقبله الشعب بالهتاف والتصفيق ؛ ولقد حرص قداسته منذ بداية رسامته بطريركا للكنيسة القبطية الآرثوذكسية في 14 نوفمبر 1971 علي حسن العلاقات مع الكنائس كلها ؛فقام بزيارة بطريرك موسكو عام 1972 ؛أعقبها بزيارة بطريرك بلغاريا في نفس السنة ؛ وفي عام 1973 قام بزيارة تاريخية للفاتيكان تم علي أثرها إحضار جزء من رفات القديس أثناسيوس الرسولي ؛كذلك تم توقيع أتفاقية إيمان مشترك بين الكنيسين تم فيها الاتفاق علي تعاليم القديسين أثناسيوس الرسولي البطريرك ال20 ؛ القديس كيرلس الكبير البطريرك ال24 ؛ كأساس مشترك للإيمان بين الكنيسين . كذلك يرتبط قداسته بعلاقات محبة قوية مع رؤساء الطوائف الأنجيلية والأسقفية . أما عن علاقاته مع أخوتنا المسلمين ؛ فهي واضحة كأشد ما يكون الوضوح في علاقات المحبة التي تربطه بشيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي ؛ كذلك سائر شيوخ ورؤساء الأزهر ومفتي الجمهورية . كذلك يرتبط قداسته بعلاقات محبة قوية مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ؛ والرئيس الحالي محمود عباس أبو مازن . ولهذا السبب لقبه أحد الزعماء ب"بابا العرب" . وبعد فهذا بعض من نماذج تكامل شخصية قداسته لقداسته في ذكري نياحته طالبين بركة صلواته عنا .