ياسر أيوب
من يلعب كرة القدم ليفوز بمباراة أو بطولة ليس كمن يلعبها ليربح أمانا وحياة .. ومن يفوز على منافسيه فى ملعب كرة ليس كمن يلجأ لنفس الكرة ليفوز على الكراهية والخوف والدم .. وعلى الرغم من أن رواندا لم تفز بأى بطولة بل لم تتأهل أصلا لنهائيات أمم أفريقيا سوى مرة وحيدة فى 2004 .. إلا أن حكايتها مع كرة القدم تبقى استثنائية جدا وضرورية جدا لكل من يريد أن يعرف ما الذى تعنيه وتستطيعه كرة القدم .. وإذا كان كثيرون قد التفتوا منذ يومين لرواندا حين استضافت عاصمتها كيجالى كونجرس الفيفا الذى شهد إعادة أنتخاب إينفانتينو رئيسا للفيفا .. إلا أن معظمهم لم يشغله اختيار كيجالى بالتحديد لاستضافة كونجرس الفيفا وانتخابات رئيسها من بين مدن كروية كبرى فى أفريقيا لها تاريخها وانتصاراتها .. وأهم من ذلك أنهم لا يعرفون تفاصيل الحكاية الحقيقية والجميلة لكرة القدم فى روندا .. ولماذا قال إينفانتينو بعد إعادة انتخابه أنه خاض انتخاباته الأولى 2016 بعد زيارة لرواندا عرف خلالها حكايتها مع كرة القدم وتعلم من أهلها كيف يقاوم وينتصر حتى لو راهن كل من حوله على فشله .. ففى 1990 .. بدأت الحرب الأهلية فى رواندا بين التوتسى والهوتو .. وفى 1994 ..
بدأت الإبادة الجماعية التى راح ضحيتها مليون طفل وإمرأة ورجل فى مائة يوم .. وتحولت بعدها رواندا من دولة إلى مأساة إنسانية موجعة وحزينة حيث الخراب والدم والخوف والألم فى كل مكان .. وهاجر مليونان من أهلها وعاشوا لاجئين مقهورين فى بلدان مجاورة .. ومع المصالحة التى اكتملت فى 2000 توقع الجميع ألا تعود رواندا للحياة إلا بعد سنين طويلة جدا .. لكنها فاجأت الجميع وعادت دولة ناجحة متطورة واستقر اقتصادها وانخفضت معدلات الفقر وأعيد بناء الدولة بالكامل ببيوتها ومصانعها ومنشآتها وطرقاتها .. وبعدها بدأ العالم يراجع تجربة رواندا وكيف عاش الحرب الأهلية والمذابح ثم كيف عادت من جديد ..
والمفاجأة كانت أن كرة القدم لم تكن وسط كل ذلك لعبة هامشية .. إنما لعبت دورا أساسيا فى مقاومة العداء والكراهية التى جلبت الدم والموت .. وفى فيلم تسجيلى رائع كتبه جون كارلين وأخرجه جيمس إرسكين فى 2019 .. رأى العالم وعرف دور كرة القدم التى أنقذت حياة مئات الألوف من الصغار والشباب من التوتسى والهوتو وعلمتهم التسامح والتعايش .. وقدم الفيلم شهادة لبول كاجامى رئيس رواندا منذ 2000 التى قال فيها أن كرة القدم كانت أهم سلاح استعادت به رواندا سلامها وأمانها .. وقبل هذا الفيلم قدم كثيرون شهادت وحكايات وكتب عن معجزة رواندا الكروية حيث تم إثبات أن كرة القدم بإمكانها أن تصبح بالفعل دعوة للحب وللحياة .. ولهذا لم يعد أحد يطالب رواندا بانتصار أو بطولة كروية .. فكرة القدم حققت لها ما هو أعظم وأهم من أى بطولة .. وكان هذا السبب الأول ليختار الفيفا رواندا لاستضافه اجتماعاته منذ يومين تكريما لها ولما تستطيعه كرة القدم
نقلا عن المصرى اليوم