بمناسبة عيد نياحة القدّيس القمّص بيشوي كامل
القمص يوحنا نصيف
    إنّ حياة القدّيسين هي علامات على الطريق، للسائرين في دروب الربّ؛ يترسّمون خطواتهم، وينظرون نهاية سيرتهم فيتمثّلوا بإيمانهم، لعلّهم يبلغون إلى قيامة الأموات، ويُدرِكون الذي من أجلهم أدركهم المسيح (في3: 11-12).

    وعندما يغيب المسيح من أمام أعيُن الإنسان، وتَعتِم الرؤيا، ويكاد السائر في الطريق يفقد غايته..

    أو عندما تدهم الإنسان هموم العالم، فيرتبك بأمور هذه الحياة، ثمّ يفيق ويعود إلى نفسه، وإذا الطريق الذي كان واضحًا أمامه أضحى غير واضح المعالم..
    أو عندما تكثر الاختيارات أمام الإنسان وتختلط عليه السُّبُل، فإذا هو في مفارق الطُّرُق، لا يستطيع أن يتبيّن أيًّا هو طريق الحياة؟!

    أو عندما تغشى الإنسان ظُلمة هذا الدهر، في ساعة سُلطان ظلمة من صُنع عدوّ الخير وقوّته الشرّيرة، ويكاد الإنسان يتحسّس طريقه كالأعمى، ولا يعرف أين يمضي..؟!

    أو عندما تتعارض المبادئ، ما هو صالح وما هو مؤدِّي للهلاك، ما هو بشَرِي عقلاني وما هو موحى به من الله. وتكثُر النظريّات وتتشعّب بالإنسان التخريجات والتأويلات، ويجد الإنسان نفسه وكأنّه في تيهٍ لا يدري أينما يوجِّه فكره، ولأيٍ مِمَّن حوله ينحاز..

    في جميع هذه الأحوال وما شابهها، يقول الروح لهذه النفس البسيطة: "إن لم تعرفي أيّتها الجميلة بين النساء، فاخرجي على آثار الغنم" (نش1: 😎.

    وعندما تقتفي النفس آثار أرجل الغنم، التي سارت بصحبة راعيها الحنون، يقودها ويجمعها، يسُوسها ويحميها، يحمل الحِملان حديثة العهد بالولادة الجديدة، كخراف ناطقة ترضع اللبن العقلي العديم الغشّ وتنمو به (1بط2: 2)، ويقود المُرضِعات التي تتعب في الكلمة والتعليم "كما تربّي المُرضِعة أولادها" (1تسا2: 7).

    ها هي خطوات وآثار القدّيسين، في تبعيّتهم المُخلِصة للراعي الصالح، إذ لم يحيدوا عنه لحظةً، بل ساروا زمان غربتهم ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله (عب12: 2)، ورسم الصليب لم يفارق شعورهم، بل كان يُلهِب حبّهم، الليل والنهار في أصوامٍ وصلوات، في سهرٍ ونُسك، إلى آخِر نسمة.. تبعوه أينما مضى، حتّى إلى الجلجثة.

    وصاياه صارت لهم زاد الطريق.. جسده صار لهم المَنّ النازل من السماء كوعده الأمين.
    فإن سارت النفس في آثار هذه الخطوات، فإنّها واجدةٌ حبيبها لا محالة، مُمَجَّدًا في وسط قدّيسيه، مُحاطًا بربوات الأبرار.
    هذه هي حياة القدّيسين كما عاشها أبونا بيشوي، وكما علّم أولاده حُبّ القدّيسين، والتمثُّل بإيمانهم، وتبعيّة خطواتهم.
القمص لوقا سيداروس
+   +   +

* هذه الكلمات الثمينة كان قد كتبها أبونا المتنيّح طيّب الذِّكر القمّص لوقا سيداروس، ضمن مقدّمة لكتيّب يحوي عظة للقدّيس القمّص بيشوي كامل عن القدّيس أنبا أنطونيوس، ألقاها في ليلة عيده بكنيسته بشبرا بالقاهرة، في 30 يناير 1969م. وقد قُمت فقط بوضع عنوان لها.
القمص يوحنا نصيف