بقلم: إسحق إبراهيم
عادت قصة البطولة الزائفة للصحفي العراقي "منتظر الزيدي" الذي رشق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بحذائه إلى الأضواء مرة أخرى بعد أن قررت السلطات العراقية الإفراج عنه، الزيدي بدأ مرحلة جني الثمار، فبعد أن تحول الرجل إلى بطل شعبي تطبع صوّره على الملصقات من المقرر أن يزور عددًٍا من الدول العربية والتي ستغدق عليه بالأموال والهدايا المالية والعينية والتي وصلت إلى أن طالبته بعض الفتيات بالزواج منهن. وأكدت صحيفة الجارديان البريطانية إن الصحفي العراقي تلقى عرضًا لامتلاك منزل جديد من أربع غرف نوم وسيارة إضافةً إلى أموال ومناصب رفيعة قُدمت إليه من قناة "البغدادية" التي كان يعمل بها!! وكان أحد الأشخاص من السعودية قد عرض 10 ملايين دولار أمريكي لشراء حذاء الزيدي بينما عرض آخر من المغرب إرسال حصان بسرج من الذهب.
نتذكر أن واقعة الزيدى رغم أنها خطيئة مهنية وسلوك مشين غير مقبول –بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول سياسات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش- إلا أنها وجدت قبولاً ليس عند القطاعات الشعبية والغوغائية فقط بل عند كبار المثقفين وقادة الصحفيين، حيث تبارى بعضهم في الدفاع عن سلوك الزيدى ومحاولة إيجاد تبريرات لهذا السلوك، ووجدنا نقابات صحفية وأعضاء مجالس نقابات يدافعون عن هذه الواقعة على حساب ميثاق الشرف الصحي ومقام المؤتمرات الصحفية الرئاسية وغيرها، فقد توارت المبادئ والقيم المجتمعية والمهنية خلف مشاعر التشفي والكراهية لشخص الرئيس الأمريكي.

ولكن هل واقعة الزيدى حالة فريدة؟
بالطبع لا، فعشرات الصحفيين لا يكتبون بأقلامهم وإنما يكتبون بالرصاص أو الحذاء على أقل تقدير، هؤلاء لا يدركون خطورة القلم والكلمة المكتوبة والتي تستطيع أن تقتل سواء ماديًا أو معنويًا. هناك قيم معروفة يتوارثها الصحفيين من رواد المهنة لعل من أبرزها وأهمها المصداقية والموضوعية أي نقل الحقيقة كما هي دول تجميل مع إتاحة الفرصة لعرض وجهات النظر المختلفة شرط الالتزام بعدم توجيه الاتهامات دون أدلة أو وجود تحقيقات للنيابة العامة مع تجنب السب والقذف.
هذه القيم يفتقدها عدد كبير من الصحفيين الذين ارتضوا أن يتحولوا من صناع للرأي إلى مجرد "عمال" عند أصحاب النفوذ سواء كانوا رجال سلطة أو رجال أعمال. ولا يخفىَ على أحد أن بعض الصحفيين يعملون في المصادر الحكومية والأهلية التي ينشرون أخبارها ويحصلون على أموال منها مما يضرب نزاهة واستقلالية ومصداقية الصحفي في مقتل كما يوجد صحفيين يقومون بابتزاز رجال الأعمال ويدخلون في معارك تكسير عظام لصالح مسئولين ورجال أعمال ضد آخرين منافسين لهم، وكانت النتيجة أن المهاترات والمكايدات والمزايدات باتت هي اللغة الطاغية في الصحافة المصرية.

ومَن المسئول؟
لا شك أن المسئولية لا تقع على جهة بعينها، فالمسئولية مشتركة بين إدارات الصحف التي تقبل أي شاب دون مراعاة لإمكانياته، وهل تناسب طبيعة العمل الصحفي أم لا كما أن هذه الصحف أهملت التدريب وإعداد الصحفيين الشباب، فلا توجد معاهد أو مراكز تدريبية أو برامج محددة للتدريب ناهيك عن الصحف التي تخلط بين الإعلان والتحرير وتطالب محرريها بالبحث عن إعلانات إما بالتلميع أو الهجوم والنقد ولا يمكن إعفاء نقابة الصحفيين من المسئولية، فقد غابت النقابة لسنوات طويلة عن مراجعة الصحفيين والصحف عن الأخطاء المهنية وتركت هذا الداء  يستفحل وعندما شعرت بالمسئولية وبدأت تطبيق حقها في إحالة الصحفي المخطئ إلى لجنة تأديب نقابية تعرضت لهجوم من بعض الصحفيين وعدم تعاون وكأن النقابة دورها فقط الدفاع عن الصحفي ظالمًا ومظلومًا -وهذا اعتقاد خاطئ- وبالمثل مازالت الدورات التدريبية القليلة التي تنظمها نقابة الصحفيين بدائية وبعيدة عن الجوانب التطبيقية.

إذًا ما العمل؟
بطبيعة الحال لن تستطيع جهة بمفردها التعامل مع ملف تجاوزات الصحفيين، فالأمر يحتاج إلى تكاتف وتعاون النقابة والصحف وكذلك الاستعانة من شيوخ الصحفيين لما لهم من مكانة عظيمة في تدريب الصحفيين وتوعيتهم بأصول المهنة العريقة والممارسات الخاطئة التي يمكن الوقوع فيها. وأيضًا بوضع اشتراطات ومعايير مهنية واقعية لقبول العاملين الجدد في مهنة الصحافة حتى لا تصبح الصحافة مهنة من لا مهنة له كما يحدث الآن!!
هناك دور على الدولة بوضع قانون لنشر وتداول المعلومات، ووضع مدة زمنية للكشف عن الوثائق الرسمية المرتبطة بأحداث زمنية مهمة في تاريخ المجتمع، وإلغاء القوانين السالبة للحريات بما يدعم من قدرة وسائل الإعلام في دعم قضايا المجتمع ومعالجة مشكلاته، وأن يكون النقد والاختلاف والتباين من أجل مصلحة الوطن وخير أبنائه محكومًا بضوابط أخلاقية وقانونية تقوم على قاعدة الالتزام باحترام الدستور والقانون.

Ishak_assaad@yahoo.com