فاطمة ناعوت

شكرًا شهرُ «مارس»، شهر الأمومة والربيع، لأنك أبيتَ المرورَ إلى كهف الزمان قبل عودة الطفل إلى حضن أمه ودفء بيته. مبروك للسيدة «آمال إبراهيم»، والسيد «فاروق فوزى» عودة ابنهما بالكفالة «شنودة»، إلى حضنهما، بعد غيابٍ تجاوز العامَ، مرَّ عليهما كما الدهر، انفطر فيه قلبُها، ووخزت دموعُها قلوبَنا.

هى لم تلده من أحشائها، ولكن مَن قال إن الأمومةَ ولادةٌ، وفقط؟ الأمومةُ معادلةٌ شديدةُ التعقيد، لوغاريتمُها شغفٌ ثم سهرٌ ورعاية وتضحية وقلقٌ ورجاءٌ وألف قيمة تعرفُها كلُّ أمٍّ ربَّت ورعت واحتضنت صغارَها.

وكلُّ ما سبق مغروسٌ فى قلب السيدة «آمال» تجاه صغيرها منذ احتضنته مع يومه الأول فى الحياة، ومنحته اسم «شنودة» تيمّنًا بقداسة «البابا شنودة»، الذى نحتفلُ بمئويته هذا العام، وأشبعته حُبًّا وحنانًا، حتى صار طفلا جميلا يُشعُّ وجهُه بالسعادة التى لا نراها إلا على وجوه الأطفال الذين ينعمون بحياة أُسرية مستقرة هانئة.

بدايةً أتوجهُ بأسمى آيات الشكر والامتنان إلى فضيلة الدكتور «شوقى علام»، مفتى الديار المصرية، وأستاذ الفقه والشريعة بجامعة الأزهر، إذْ حسم الجدلَ المُثار حول عقيدة الطفل المُتبنَى، واعتباره مسيحيًّا مادام قد وُجِد فى كنيسة يوم ميلاده، والتقطته أسرةٌ مسيحية، هى أسرة السيد «فاروق»، وزوجته السيدة «آمال». ومن نافلة القول إن العقائدَ لا تزداد شأنًا ولا تنقُصُ بمعتنقيها، والله تعالى غنى عن العالمين.

وأتوجه بخالص الشكر والاحترام إلى سيادة المستشار الجليل المحامى العام والنيابة العامة من أجل الانتصار للإنسانية، وقطع الطريق على النفوس الحاقدة التى ترومُ غرس الفتن وهدم الوطن، وإصدار قرار مباشر بتسليم الطفل «شنودة» إلى أمّه السيدة «آمال إبراهيم»، التى عثرت عليه واحتضنته منذ ميلاده كعائل مؤتمَن، بعد أخذ تعهُّد عليها بحُسن رعايته وحمايته من المخاطر.

وعلينا أن ندركَ أن ذلك «التعهد» هو أحدُ حقوق الطفل، كلّ طفل، على الدولة. وتلك الحقوق منصوصٌ عليها فى الدستور المصرى، لضمانة حماية أطفال مصر، ومراقبة الأسر الكافلة حتى تطمئنَ مصرُ على سلامة أبنائها.

وبالتالى فإن هذا التعهد من بديهيات القانون والدستور، وهو فى الوقت نفسه مضمونٌ سلفًا من السيدة الطيبة «آمال» التى سعت إلى الأمومة سعيًّا وحققت جميعَ شروطها الصعبة، بالفعل لا بالكلام، فى طفل لم تنجبه، منذ ساعته الأولى فى الحياة وحتى بلغ الخامسة من عمره، وإلى منتهى الأيام بإذن الله.

فقد شاهدنا جميعًا دموعَها الغزيرة حين انتزع منها طفلها، تلك الدموع التى كشفت شغفَها العميق بابنها المُتبنَى، وكانت، طوال ما مضى من سنوات، أفضل ما تكون الأم البديلة.

شكرًا للأزهر الشريف الذى أصدر بيانًا واعيًا مُناصرًا لحق الصغير، مؤكدًا على عقيدته المسيحية، فقطع الطريق على مشعلى الفتن المتطرفين.

والشكرُ الجزيل للرئيس «عبدالفتاح السيسي» الذى لم يخذلنا واستجاب لمناشداتنا، ولم يسمح لشهر مارس أن يغادرنا إلا والطفلُ قد عاد إلى دفء بيته. فشهرُ مارسُ هو شهر الأمّ (٢١ مارس)، وشهر اليوم العالمى للمرأة (٨ مارس)، وشهر المرأة المصرية (١٦ مارس)، وهو كذلك شهرُ الربيع حيث تحتضنُ العصافيرُ صغارَها فى أعشاشها، فكيف يُكسرُ فيه قلبُ صغيرٍ لا يعى من أمره شيئًا، وقلبُ أمٍّ أحبّت وضَحّت وشغفت بصغيرها؟!.

الشكرُ كلُّ الشكر للسادة المحامين الأجلاء، مسيحيين ومسلمين، الذين تبرّعوا بالدفاع عن حق الطفل «شنودة» فى العودة إلى أمّه الكافلة. وفى الجلسة الأخيرة فى محكمة مجلس الدولة يوم ١٨ مارس، والتى كان لى شرف حضورها والتحدث فيها أمام جلال القضاء المصرى كأمٍّ مصرية مسلمة تشعرُ بوجع أمٍّ مصرية مسيحية.

كان المطلبُ الرئيسُ الذى اتفق عليه السادةُ المحامون هو: «عودة الطفل إلى حضن أمّه الكافلة حتى البتّ النهائى فى القضية». وهذا ما أمرت به النيابةُ العامة بالأمس، والحمد لله حمدًا كثيرًا.

والشكر لكلّ شريف دعم تلك القضية الإنسانية العادلة، بصوته أو بقلمه أو بدعائه إلى الله أن يفكَّ كرب الأمّ والصغير. وشكرًا للرأى العام المصرى والعربى والعالمى، الذى كان قلبًا نابضًا بالحب للأم الحزينة على صفحات التواصل الاجتماعى، ووحّد جبهتَه على المطالبة بعودة الطفل لأسرته البديلة.

والشكرُ الدائم للدولة المصرية العظيمة التى تحنو على أبنائها وتردُّ الأطفالَ إلى دفء دورهم، ولا تميّز بين أبنائها، فالوطنُ ملاذٌ وصخرةٌ للجميع دون تمييز ولا عنصرية.

وأكادُ أسمع الصغيرَ يقول لُمشعلى الفتن: «أيها الغرباءُ أو الأقرباءُ/ الذين تقتتلون من أجل عقارٍ أو ضِياعٍ أو مَتاعٍ مما تشغل بالَكم/ اعلموا أننى غيرُ منشغلٍ بما تنشغلون/ أخرجونى من حساباتكم وخذوا كلَّ شىءٍ/ واقتسموا حتى لُعبى وكراساتى/ واتركونى وشأنى/ فى دفء بيتى. شكرًا لشرفاء هذا الوطن العزيز».

نقلا عن المصرى اليوم