د. رامى عطا

شاركتُ مؤخرًا فى فعاليات اليوم السنوى الثامن للتراث القبطى، الذى ينظمه مركز الدراسات القبطية التابع لمكتبة الإسكندرية، وقد نظمه هذا العام بالتعاون مع مركز الطفل للحضارة والإبداع بمصر الجديدة، وسط حضور ومشاركة عدد كبير من الباحثين المهتمين بالدراسات القبطية، التى تتنوع بين التاريخ والآثار والفن واللغة وقضايا المجتمع.

 
وقد جاء موضوع هذا العام تحت عنوان «التراث القبطى وقضايا التسامح والتعايش»، ومن موضوعاته: (محاولات الاحتلال الإنجليزى إضعاف روح التسامح فى مصر، ذاكرة الغفران فى رسائل البابا فرنسيس، الوافدون بالأزهر الشريف أنموذج دولى للتعايش السلمى، الدراسات القبطية نموذج للمشاركة فى فهم الآخر ومقترحات لإثراء الحوار، الأنبا إبرام قديس الفيوم أيقونة التسامح فى أوائل القرن العشرين.
 
التسامح والتعايش بين المصريين فى السينما والدراما المصرية، الفنون القبطية فى سياق الفن الإسلامى، دور الأراخنة القبط ومكانتهم فى العصر الفاطمى، اشتراك المسلمين والأقباط فى بناء كنيسة بالمنيا «وثيقة نادرة من القرن التاسع عشر»، دور مؤسسات المجتمع المدنى فى تعزيز التسامح والتعايش السلمى فى مصر).
 
ومن جانبى، قدمت ورقة عنوانها «قضايا التسامح بين المسلمين والأقباط فى الصحافة المصرية خلال سنوات القرن العشرين»، انطلقت فيها من فرضيتين أساسيتين: الفرضية الأولى هى أن الصحافة وغيرها من المؤلفات تظل حاضنة أساسية ورئيسة للرؤى والأفكار التى قدمها كُتّاب ومفكرون عبر تاريخ مصر الحديث والمعاصر، حيث تفاعلوا مع هموم الوطن وأحلامه وتطلعاته وآماله.
 
والفرضية الثانية هى أن هناك أربعة أجيال من الكتابة عن الوحدة الوطنية والتسامح والمواطنة عرفها المصريون منذ القرن التاسع عشر وإلى اليوم، حيث شهد المجتمع المصرى جهودًا فكرية عديدة فى مجال دعم المواطنة والحوار، برزت على صفحات الصحف والكتب، من مقالات وقصائد شعر وأزجال وروايات.. إلى جانب جهود أخرى مؤسسية، عنيت بتأسيس كيانات اختصت بتشكيل منظومة القيم الإيجابية، وفى القلب منها مبدأ المواطنة وثقافة الحوار.
 
وأشير هنا إلى بعض الأفكار، أولًا: التراث القبطى هو تراث مصرى أصيل، لا يخص المواطنين الأقباط وحدهم، بل هو تراث لكل المصريين، حيث يمثل أحد تجليات الشخصية المصرية، وأحد وجوه حضارتها التى تتميز بالغنى والثراء فى إطار من الوحدة الحاضنة للتنوع.
 
ثانيًا: يحتاج المواطنون المسلمون إلى معرفة الكثير عن المواطنين الأقباط ودور كنيستهم فى حركة المصريين قديمًا وحديثًا، ومن ثم فإن دورًا مهمًا هنا يقع على عاتق المؤسسات التعليمية والثقافية والفنية والإعلامية، بالإضافة إلى دور المجتمع المدنى من جمعيات ومؤسسات أهلية تهتم بالجانب الثقافى والمعرفى.
 
ثالثًا: تبقى تحية واجبة للقائمين على تنظيم اليوم السنوى للتراث القبطى، من فريق عمل مركز الدراسات القبطية، متمنيًا أن يواصل المركز عمله التنويرى والتثقيفى، وأن يواصل تنظيم اليوم السنوى للتراث القبطى، وألا ينحصر تنظيم هذا اليوم فى القاهرة وحدها أو فى الإسكندرية.
 
حيث مقر المكتبة، وإنما فى غيرهما من محافظات مصر، حتى يعرف المصريون جميعًا كيف أن الشعب المصرى قد تميز- بحسب الأستاذ أبوسيف يوسف (الأقباط والقومية العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1987م)- بظاهرتين رئيستين هما: التجانس بين سكان البلاد من مسلمين ومسيحيين، والإحساس أو الوعى بالمصير المشترك وبأن هذا الوطن لا يمكن تقسيمه.
 
وأنه حسب المستشار طارق البشرى فى عمله العمدة (المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980م)، فإنه «كان الإسلام من ناحية، ومسيحية القبط من ناحية أخرى.
 
والامتزاج الحضارى بين المسلمين والأقباط فى مصر، كان كل ذلك مما كون المناخ التاريخى والحضارى والاجتماعى والثقافى والنفسى لتبلور المفهوم القومى للجماعة السياسية المصرية».
 
ولعلنا نصل بذلك إلى أن وحدة الدين بين الأقباط لم تخلق منهم جماعة أو كتلة سياسية مغلقة، ومن جهة أخرى، فإن اختلاف الدين بين الأقباط والمسلمين لم يمنعهما من الاندماج والامتزاج على أرض الوطن.. مصر، بحسب كتابات كثيرة للمفكر الكبير الأستاذ سمير مرقس.
نقلا عن المصرى اليوم