هانى لبيب
(لا تمارسى التمييز ضد نفسك.. ولا تقومى بتصرّف بسيط يُستغل ضدك.. ولا تنشرى صورة توظَّف وكأنك أنتِ التى تقومين بـ «تسليع» نفسك.. أنتِ أصل الحياة.. أنتِ أصل الإنسانية..).. كانت الكلمات السابقة هى ما ختمت به مقال الأسبوع الماضى الذى اتخذت له عنوان «عن الجندر والحرية.. احذرى التسليع!».
وقد وصلتنى العديد من التعليقات والأسئلة التى تحتاج إلى نقاش، لكونها تتعرض لصميم فلسفة «الجندر» فى المساواة بين الرجل والمرأة وتمكينها فى ظل مجتمع يكرس «الذكورية» بكل أشكالها من جهة، وفى ظل ثقافة ذكورية مجتمعية منتشرة سيطرت على تفكير المرأة وأفكارها وسلوكياتها من جهة أخرى.. وهو ما يجعلها تكرس أقصى درجات التمييز ضد نفسها دون قصد أو وعى حقيقى فى العديد من الأحيان.
أولًا: ترتكز فلسفة العقلية الذكورية على امتلاك قاموس من مفردات اللغة الذكورية التى تحمل كل أشكال الإيحاءات التى لا تعرف الغالبية العظمى من السيدات عنها شيئًا.. كونها تحمل معانى أكبر بكثير من المعنى المباشر لها.. وهو الأمر الذى يتجلى بوضوح فى تعليقات السوشيال ميديا على العام وعلى الخاص بدرجات أكبر ومتنوعة ومتفاوتة، لما تحمله من قدر لا بأس به من المراوغة يصل لحد الاحتراف فى التمثيل والتقمص، سواء بالشكل الدينى أو الإنسانى أو غيرهما فى سبيل الوصول للمرأة التى استهدفها، باعتبارها «صِيدة» و«لُقطة» يجب اقتناصها واستغلالها كسلعة للاستهلاك العاطفى والجنسى تحت الطلب لتحقيق أهدافه ورغباته الدنيئة، دون أدنى شعور بتبعيات تلك الجريمة عليها إنسانيًا، وآثارها التى لا تقل عن قتل نفس بريئة.
ثانيًا: البعض القليل من الرجال هو الذى يعى جيدًا ما سبق، خاصة من لديه بنات.. ونتيجة معرفتهم بعالم العقلية الذكورية المتخلفة وثقافتها الرجعية، دائمًا ما يكونون أكثر حساسية وأشد حرصًا وخوفًا وتحذيرًا لبناتهم من كل تصرف أو موقف أو صورة وتعليق على الفيسبوك.. بسبب تراكم معرفتهم وخبراتهم بأساليب العقلية الذكورية الماكرة والخبيثة. ومرجعية هذا الخوف: تجنب التعرض لأى شكل من أشكال العنف الذى يؤثر على أمنها وسلامتها؛ خاصة الإنسانية.. وفى الوقت نفسه مع الحفاظ على مساحة الحرية المسؤولة الخاصة بها، باعتبارها عقلًا مستقلًا يفكر، ليس تابعًا ولا يخضع لسيطرة ذكورية هنا أو هناك.
ثالثًا: تصطدم المرأة المصرية بثلاثة مفاهيم أساسية فى علاقتها بالعقلية الذكورية، سواء فى المنزل أو خارجه. تلك المفاهيم هى: (الحماية والوصاية والثقة). الحماية من العقلية الذكورية المتسلطة والمجتمع الذى يدعى المساواة بين الرجل والمرأة، رغم أنه يصادر كل حقوق المرأة ويستحلّها مثلما يستحل ميراثها. الوصاية على كل تصرفاتها ومواقفها وشكلها وملابسها بالشكل الذى يجعلها تحت سيطرة العقلية الذكورية التى ترى نفسها دائمًا على صواب والمرأة عليها أن تتحمل أخطاء العالم كله فى الماضى والحاضر والمستقبل، دينيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا.. وهو ما جعل التمييز ضدها وتكريس العنف واستحلال أموالها يتم بارتياح تحت إطار دينى موجه.
رابعًا: ما سبق هو مرتكزات فلسفة العقلية الذكورية المتسلطة والمتخلفة.، وشعرة رفيعة جدًا بين الحماية والوصاية من جانب، والثقة من جانب آخر. الثقة هنا هى أساس الاعتقاد فى «الجندر» والإيمان الحقيقى بالمساواة بين الرجل والمرأة.. ولكن مع ملاحظة أن الثقة لا تخلو من الخوف الاستباقى المتزايد من ردود أفعال العقليات الذكورية والتحذير منها. الثقة لا تلغى حرية المرأة وكرامتها.. فالثقة هى الوصول لحالة الأمان والنضوج الفكرى.. تلك الحالة التى تكون أكثر حساسية وانتباهًا، ليس فقط لتصرفات العقليات الذكورية وأساليبها، ولكن تتجاوز ذلك لمنطقة أرقى وأعلى؛ وهى الانتباه لردود أفعال العقليات الذكورية، كونها الأكثر دهاءً وعنفًا تجاه تصرفات أو تعليقات أو صور المرأة، رغم انضباطهم الأخلاقى والإنسانى الشديد. الحرص والحكمة هما السبيل فى مواجهة مجتمع متراجع لصالح سيطرة العقلية الذكورية الجبانة.. رغم ادعائه عكس ذلك.
نقطة ومن أول السطر..
من كتاب مشترك.. يصدر قريبًا: الحياة كرامة.. أنتِ وأنا.. أم أنتِ أو أنا!
نقلا غن المصرى اليوم