محمود العلايلى
بعد حوالى ثمانية شهور من انتزاع الطفل «شنودة» من والديه بالتبنى، وبعد جولات من محاولات التقاضى إلى أن أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها بعدم اختصاصها بنظر تلك القضية، وذلك فى الوقت الذى صرح فيه المركز العالمى للفتوى التابع للأزهر بأن «الطفل اللقيط إذا وُجد فى كنيسة، وكان الواجد غير مسلم، فهو على دين من وجده، وإن وُجد فى قرية من قرى أهل الذمة أو فى بيعة أو كنيسة، كان ذميًا»،وهى الفتوى التى حلت معضلة ديانة «شنودة» المختلف عليها، ثم صدر قرار نيابة شمال القاهرة الكلية بتسليم الطفل «شنودة» مؤقتًا إلى السيدة آمال إبراهيم، التى عثرت عليه، كعائل مؤتمن، بعد أن أخذت تعهدًا عليها بحسن رعايته، وكلفتها باستكمال إجراءات كفالته بنظام الأسر البديلة، وذلك بعد أن استطلعت النيابة العامة رأى فضيلة مفتى الجمهورية.

والحقيقة أن الخبر قُوبل بسرور عارم بين أغلب طوائف المواطنين المصريين، وكان لذلك صدى خاص على الصفحات المسيحية والمواقع، وتصدرت صور تسليم الطفل لأهله كل المنصات والبوابات، خاصة المسيحية منها، بينما تميزت بعض التعليقات الأخرى بالتحفظ، من باب أن القرار لم يسمح بتبنى الولد بحسب ما هو معروف فى مفهوم التبنى، من إعطاء اسم الأسرة المتبناة للطفل المتبنى، وما يستتبع ذلك من إجراءات رسمية طوال حياته.

وعلى الجانب الآخر جاءت التعليقات المحافظة من باب استهجان صدور القرار نزولًا على رأى المفتى، وعلى خلفية فتوى الأزهر، مما يرسخ قيم تسلط الدولة الدينية حتى لو جاءت الفتوى على الهوى هذه المرة.

والواقع أن لكل التعليقات الفَرِحَة أسبابها، كما أن للتعليقات المتحفظة اعتبارها، وبالتأكيد لا يعنى قرار النيابة أن موضوع «شنودة» قد تم حله، ولكن هناك جانبًا إيجابيًا لا يمكن إغفاله، وهو أن الولد بات فى منزل أبويه، مما يزيل الكثير من الهواجس على الجانب الإنسانى، ويدفع المجتمع بهدوء إلى حل المعضلات القانونية فى الموضوع.

وإذا كانت للمسألة وجوه إيجابية عديدة، فإن الوجه الأكثر سلبية كان ومازال فى اعتبار أن القضية مسألة مسيحية، وهو ما يضعف الموقف على الجانب الاجتماعى والإنسانى، كما يضعفه على الجانب القانونى إذا حاولنا قصر الحل على ديانة دون الأخرى.

لأن إدخال عنصر الدين فى المسألة قد يحرم ما تم تحليله اليوم فى ظل ظروف معينة، بينما نحن نتحدث عن قضية عامة، يتشارك الجميع فى وجعها، فالأبوان المسيحيان لهما نفس الشوق للأبوة كما لنظرائهما من المسلمين، والطفل عديم الهوية أو المسلم أو المسيحى له نفس الاحتياج للبنوة والرعاية والحنان، على الرغم من التشريع الإسلامى الذى يحرم التبنى، والتشريع المسيحى الذى لا يمنعه.

إن المناداة بتقنين التبنى ليس معناه العداء للدين أو محاولة نفيه، ولكن من السهل أن نطلع على هذا النوع من القوانين فى الدول المتقدمة اجتماعيًا وإنسانيًا، مع الحفاظ على فلسفة الدين بعدم اختلاط الأنساب، وهو ما صار سهلًا يسيرًا بتحاليل الدم والـ«دى إن إيه»، لأن المقارنة بين حياة طفل فى أعظم دور الرعاية ومنزل به أبوان لا مجال لها، وأن المخاطر والشرور التى قد يتعرض لها الطفلة أو الطفل فى الشارع مسألة لا يمكن مقارنتها ببيت وأسرة.

إن وضع «شنودة» فى دائرة الضوء جاء فى مصلحة الآلاف الذين من الممكن أن يستفيدوا من الإصلاحات التشريعية المواكبة للتقدم والتحضر، بعد أن كان هؤلاء الآباء قد فقدوا الأمل فى التبنى، وبعد أن صار مصير الأطفال مجهولى النسب إما الشارع أو دور الرعاية أو نظام الأسر البديلة الذى يحل جانبًا من المشكلة، ويخلق جوانب أخرى. أو كما قال أحدهم بالبلدى كده:

معقول لما نسيب العيال فى الشوارع والملاجئ يبقى حلال، والتبنى هو اللى حرام؟
نقلا عن المصرى اليوم