خواطر بمناسبة إنجيل الأحد السادس من الصوم المقدّس:

القمص يوحنا نصيف
    عين الإنسان هي حاسّة من أهمّ حوّاسه.. فهي ليست فقط مَرصَدًا للجو المحيط أو مدخلاً للمعلومات، بل هي أيضًا قائدة لمسيرة الإنسان، ولديها القدرة أن تسحب الإنسان في أيّ اتّجاه..

    لذلك يؤكِّد السيد المسيح أنّ "سراج الجسد هو العين" (لو34:11)، وحذّرنا لئلاّ يكون النور الذين فينا ظلامًا، حتّى لا تكون حياتنا كلّها مُظلِمةً.. بمعنى أنّه إذا كانت الحاسّة التي يدخل من خلالها النور للنفس لا تعمل بكفاءة، فهذا سيتسبّب في بقاء النفس في الداخل مُظلمة بالكامل..!

    وكما أنّ العين قد تكون عند بعض الناس سبب تلوُّث لحياتهم مثل داود النبي (2صم11)، أو هلاك كامل لهم مثل امرأة لوط (لو17).. فإنّ العين يمكنها أن تكون سبب بركة لحياة الإنسان، مثل العين المنفتحة على كلمة الله، أو العين المتأمِّلة في أعمال الله، أو العين الرحومة على المحتاجين، أو العين الناظرة إلى السماء التي تقود الإنسان في الصلاة..

    ولا ننسى أنّ عين الإنسان المسيحي قد تقدّست بمسحة الميرون المقدّسة، لكي تضيء باستنارة معرفة الله، لأنّ "الله الذي قال أن يُشرِق نورٌ من ظُلمةٍ، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2كو6:4).

    وهذا معناه أنّه كما خلق الله النور في بداية الخليقة، فإنّ هناك بصيرة روحيّة قد خُلِقَت في قلوبنا بالإيمان والمعموديّة والميرون.. وهذه البصيرة تنمو في إمكانياتها تمامًا مثل حاسّة الإبصار في العين الجسديّة..!

    فمثلاً.. العين الجسديّة تبدأ بتمييز النور من الظلام، ثم تكتسب تدريجيًا مهارة تمييز الأشخاص والألوان، ثم تصل إلى درجة من النضوج بتمييز حروف اللغة وتناسُق الألوان... إلخ. هكذا البصيرة الروحيّة عندما تتغذّى بالفكر الإلهي من الإنجيل، وتتقدّس بالصلاة والتأمُّل، وتتربّى على تعاليم الكنيسة والآباء.. تصير هذه البصيرة مُدرَّبة لفرز الأمور الصالحة من الضّارة.. وأصحاب هذه البصيرة هم الذين يصفهم الإنجيل بأنّهم "بسبب التمرُّن قد صارت لهم الحواس مُدَرَّبة على التمييز بين الخير والشرّ" (عب14:5).

    قد يضعُف أو يَكِلّ البصر تمامًا مع تقدّم العُمر وتراكُم الأمراض، لكنّ البصيرة الروحيّة مع العناية بها تزداد حِدّة واستنارة، مع تَقَدُّم العُمر ونموّ الخبرات مع الله..

    وأيضًا كما تنمو حساسية هذه البصيرة بالغذاء الروحي، والاستنارة بفكر الإنجيل والآباء.. هكذا تضعُف البصيرة بإهمال وسائط النعمة، والكسل، والسماح بدخول الخطيّة إلى القلب، أو انفتاح العينين على نجاسات العالم..!

    من أجل هذا تُعَلِّمنا الكنيسة، أن نصلّي كلّ يوم مع  المُرتِّل في المزامير، ونقول:
    + "عيناي تنظران إلى الرب في كل حين لأنه يجتذب من الفخ رجليّ" (مز24 - صلاة باكر).
    + "اكشف عن عينيّ لأتأمَّل عجائب من شريعتك" (مز118 - صلاة نصف الليل).
    + "إليك رفعت عينيّ يا ساكن السماء.. أعيننا نحو الرب إلهنا حتى يتراءف علينا" (مز122 - صلاة الغروب).
    + "أردِد عينيّ لئلاّ تعاينا الأباطيل، وفي سُبُلَك أحيني" (مز118 - صلاة نصف الليل).
    الربّ يعطينا دائمًا أن تزداد بصيرتنا توهّجًا وحكمةً، ويحفظنا نامين في محبّته وفي معرفته كلّ الأيّام،،
القمص يوحنا نصيف