بقلم: عادل يوسف
أ) ١- كل كلمة حياة نقية وكل خبرة روحية جديدة تلتقطها نفوسنا وتنفتح عليها أعيننا الداخلية، تتغلغل الى أعماقنا وتهزها وتلتصق بنا وتتحد أبديًا بكامل كياننا لتبقى معنا كجزء أصيل وكخبرة صابغة تضاف الى خبرات النور السابقة لها، لتدوم فينا وتبقى معنا ولا تنحل من اعضائنا ولا حتى بالموت، لانه حتى بعد ما نتحرر من هذا الزمان وتتحلل اجسادنا، سنقوم بها وستنجمع كل ذرات كياننا المتحللة مهما تبعثرت، لأن ضابط الكل يعرفها ويرعاها وسيقيمها معنا.
كل خبرات الحياة الابدية التي نتذوقها بفعل روحه القدوس و ترتبط بكياننا على الارض لايمكن لأي قوة، ولا للموت، أن يفصلها عن كياننا لأنها ليست من هذا العالم ولا لهذا العالم، وليس للموت سلطان عليها.
٢- في كل مرة ننظر اليه (الحبيب) ونتصل به بالصلاة والتأمل وتتلاقى أعيننا الداخلية ببهاء وجهه الأخَّاذ، فإن صورته تنطبع في أعماقنا شيئا فشيئا ويصطبغ بها داخلنا، ثم شيئًا فشيئا تبتدئ تلك الصورة بالطفح على وجوه حائزيها، ومع ذلك يتم منحهم نعمة الستر أيضًا لئلا يسقطوا في فخاخ المكَّار… وبمرور الوقت وتراكم تلك الخبرات وتكرار إنطباع صورة قدوس القديسين على أولئك الشاخصين إليه ليل نهار، "نتغير إلى تلك الصورة عينها " (٢ كو ٣: ١٨). وعادة ما يلحظ هذا التغيير المحيطين بهؤلاء المُنْعَم عليهم… وهنا دعوني أذكركم بأنه قديمًا عندما كان يقابل شخصًا وثنيًا شخصًا آخر من رفقائه وقد بدى على وجهه سلام وبهجة غير مألوفة، كان يسأله في الحال: "هل قابلتَ قبطيًا اليوم؟".
ب) ١- تواضع الإنسان في الوقع ما هو إلا إنخفاض في مستوى تعاليه وتكبره من درجة إلى درجة أقل، أما حينما ينسحق (أي يتحول الى مسحوق أو بودرة) فإنه لا ينزل إلى أي مستوى أقل من مستوى طبيعته التي أُخِذَ منها - أي مستوى مسحوق التراب - فلا يكون للإنسان عندئذٍ أي فضل أو إنجاز أبعد من معرفته بقدر نفسه.
٢- فقط، السيد المسيح هو المتواضع الحقيقي، لأنه وهو إلهًا وضع نفسه وأطاع، آخذًا شكل العبد، وحدث ذلك بالتجسد والميلاد. أما حينما قَبِلَ أن يسحقه الاب "بالحَزَنِ" وبتسليمه لأيدي الأثمة ليحاكموه محاكمة الأشرار للبار الوحيد على وجه الارض، وإخراجهم لقضيته بأنه مستوجب لحكم الموت وأنه لايستحق حتى الحياة بين البشر، فإن رب المجد بالحقيقة قد نزل إلى المستوى الأدنى على الإطلاق، إلى ما هو أعمق بمراحل من حتى مفهوم الإنسحاق، إنه مفهوم جديد يصعب وصفه لأنه خبرة جديدة أدخلها الوحيد الجنس إلى واقع حياة ذوي اللحم والدم. ولا أعلم أبدًا إن كان أبدًا بمقدور أي بشرٍ أن يفهمها أو أن يدرك عمقها ومدى فاعليتها!
ج) من التعبيرات الرائعة لنيافة الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط الجليل، خلال عظته يوم الجمعة العظيمة في عام ١٩٩٨: "بيلاطس البنطي كان قاضيًا عادلًا ، ولكنه كان ظالمًا كحاكمٍ".
كقاضٍ، بيلاطس البنطي كان قد حكم بأنه لم يجد علة بشخص يسوع المسيح، ووصفه بأنه بار. ولكن كحاكم أراد أن يتجنب هياج اليهود وفتنة رؤساء الكهنة ورؤساء الشعب وحدوث شغب في المدينة، ولأجل ذلك ولتهدئة الأمور أَسلمَ إليهم دمًا زكيا، فظلمه كحاكم و لم يطبق العدالة التي أقَرَّها كقاضٍ.
العجيب في ذلك الأمر أن بيلاطس أسلم للموت من لا يسمع أحد في الشوارع صوته، من جال يصنع خيرًا ويشفي كل ضعف وسقم في الشعب.. ولكن ليتجنب بيلاطس أي فتنة، اطلق لليهود - حسب طلبهم - باراباس الذي كان هو نفسه مسجونًا لأجل فتنة وقتل!
يا له من تدني في مستوى عدالة الأرض، لأنه مَنْ يمكن للسماء أن ترسله إلينا ويكون أبَرّ من هذا؟! من العود الرطب؟! ممن لم يكن في فمه غشٌّ؟! فنرضى عنه نحن ونَقْبَلُ أن نعفيه من مقصلة ظلمنا وكيدنا وفجورنا ؟! لأنه "ماذا يُصنَعُ أيضًا لكرمي وأنا لم أصنعه له؟" (أش ٥ : ٤)!!!
عادل يوسف عبد الملاك – فلوريدا في ٣ أبريل ٢٠٢٣