د. أمير فهمي زخارى المنيا
هذا المقال السادس من سلسله مقالات سأتولى نشرها تباعا... نحكى المثل الشعبي وقصته وما يقابله في الكتاب المقدس من آيات وتأمل بسيط حوله للاستفادة منه في حياتنا ... وسبقه خمسه أمثال وهم " من حفر حفرة لأخيه وقع فيها" و " القرعة تتباهى بشعر بنت أختها" و "اللي تكسب به إلعب به" " جاك كسر حُقك" " احفر نفق بمسمار ولا تجادل واحد حمار"...

يردد الكثيرون بعض الجمل دون معرفة أصلها، أو حتى الموقف الذي قيلت فيه، لكن معناها يوافق الحدث، ومنها جملة " قاعد للساقطة واللاقطة".
ويعني المثل، أن الشخص شاغل نفسه بأمور الناس، ومتيقظ لما يصدر منهم، يعد عليهم ما يفعلون، أي لكل كلمة ساقطة أذن لاقطة، وبنقوله على الشخص اللى بينتبه للتفاصيل "فلان ده قاعد للسًقطة واللَقطة"..

وأصل المثل هو:
بالعودة لعصر الفراعنة كان يوجد شخص متخصص بالجلوس أسفل سلة يحملها اثنين من الفلاحين، وهذا الشخص ما كان يطلق عليه “قاعد للسقطة واللقطة”، ومهمته الانتباه للسنابل التي تسقط من الفلاحين، ومن المواصفات التي كان يتمتع بها هذا الشخص تمتعه باليقظة والانتباه لأصغر التفاصيل والأشياء، كي لا تسقط حبة قمح على الأرض هدر بعد شقاء وتعب الفلاحين طوال الموسم الزراعي.

(الصورة اللى مع المقال من مقبرة "مِننا" , المشرف على حقول آمون فى عصر الملك أمنحتب الثالث ,أسرة 18 , دولة حديثة . وتقع المقبرة بمنطقة شيخ عبد القرنة بالبر الغربي بالأقصر) ......

نيجي الى الكتاب المقدس في سفر راعوث ونقرأ الآيات التاليه:
راعوث تلتقط في الحقل (ع1-7):
1 وَكَانَ لِنُعْمِي ذُو قَرَابَةٍ لِرَجُلِهَا, جَبَّارُ بَأْسٍ مِنْ عَشِيرَةِ أَلِيمَالِكَ, اسْمُهُ بُوعَزُ. 2 فَقَالَتْ رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ لِنُعْمِي: «دَعِينِي أَذْهَبْ إِلَى الْحَقْلِ وَأَلْتَقِطْ سَنَابِلَ وَرَاءَ مَنْ أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ». فَقَالَتْ لَهَا: «اذْهَبِي يَا ابْنَتِي». 3 فَذَهَبَتْ وَجَاءَتْ وَالْتَقَطَتْ فِي الْحَقْلِ وَرَاءَ الْحَصَّادِينَ. فَاتَّفَقَ نَصِيبُهَا فِي قِطْعَةِ حَقْلٍ لِبُوعَزَ الَّذِي مِنْ عَشِيرَةِ أَلِيمَالِكَ. 4 وَإِذَا بِبُوعَزَ قَدْ جَاءَ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ وَقَالَ لِلْحَصَّادِينَ: «الرَّبُّ مَعَكُمْ». فَقَالُوا لَهُ: «يُبَارِكُكَ الرَّبُّ». 5 فَقَالَ بُوعَزُ لِغُلاَمِهِ الْمُوَكَّلِ عَلَى الْحَصَّادِينَ: «لِمَنْ هَذِهِ الْفَتَاةُ؟» 6 فَأَجَابَ: «هِيَ فَتَاةٌ مُوآبِيَّةٌ قَدْ رَجَعَتْ مَعَ نُعْمِي مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ, 7 وَقَالَتْ: دَعُونِي أَلْتَقِطْ وَأَجْمَعْ بَيْنَ الْحُزَمِ وَرَاءَ الْحَصَّادِينَ. فَجَاءَتْ وَمَكَثَتْ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الآنَ. قَلِيلًا مَّا لَبِثَتْ فِي الْبَيْتِ».

سمعت راعوث من نعمي حماتها عن شريعة اليهود وهي أنهم، عند حصاد أو جمع محاصيلهم، إذا سقطت بعض السنابل من الحصادين أثناء الحصاد، يتركونها للفقراء الذين يلتقطونها خلفهم ليسدوا أعوازهم (تث24: 19-22؛ لا19: 9، 10؛ 23: 22)، فطلبت من حماتها أن تأذن لها لتذهب وتجمع سنابل الشعير وراء الحصادين فسمحت لها.

بمعنى فعلت راعوث مما كان يعمله أجدادنا من التقاط الحبوب الساقطة على الأرض والتقاطها وهذا هو مثلنا “قاعد للسقطة واللقطة”...

تأمل في المثل وأصله وما شابهه في الكتاب المقدس:
تركت راعوث اهلها وبلدها والتصقت بنعمي وشعب نعمي، بل وقبل كل اعتبار التصقت بالإله الحيّ الحقيقي.
كان الوضع الاجتماعي والاقتصادي لنعمي وراعوث صعب جدًا، بعد ان رجعتا من ارض موآب الى بيت لحم.

لكن راعوث لم تستسلم لهذه الظروف والصعوبات، بل بكل نشاط طلبت من نعمي ان تذهب الى الحقل لكي تلتقط سنابل وراء من تجد نعمة في عينيه.
لم تستسلم راعوث للظروف الصعبة والتحديات، ولم تهتم بكلام الناس وماذا يقولون عنها، بل خرجت الى الحقل ولكن ليس قبل ان تُخبِر وتستشير نعمي.
هل ننحني نحن امام الظروف الصعبة وتحديات الحياة، ام نُشدد ايدينا لكي نخرج الى العمل الذي دعانا الله ان نُكمله، بقوة يمنحها لنا هو ولمجد اسمه؟
خرجت راعوث الى الحقل بعد ان اخبرت نعمي، واتفق نصيبها في قطعة حقل بوعز.

من الممكن ان نقول انها كانت الصدفة في هذا اللقاء، لكني على يقين ان الله يعرف عن كل واحد منا ادق الامور، بل ويعرف كل شيء عنا ودوافعنا القلبية نحوه، وهو الذي يُرتِب الافضل لنا من خلال المشورة الصالحة، من خلال اعلان كلمة الله بالصلاة، اعلان الروح القدس بشكل مباشر لقلوبنا بما هو الافضل لنا، او من خلال احداث الحياة كما حصل مع راعوث، لان بيد الرب كل السلطان ان يجعل كل الامور تسير للأفضل للذين يحبونه. وهذا ما نقرأه في الاصحاح الثاني من كتاب راعوث، عن هذا اللقاء المبارك الذي جمع راعوث ببوعز.
والى اللقاء في الجزء السابع ... تحياتي..
د. أمير فهمي زخارى المنيا