د. أمير فهمى زخارى المنيا
قصة المزامير المحذوفة :
سنة 1759، اكتشف العالم الماروني يوسف شمعون السمعاني في مخطوط سرياني من المكتبة الفاتيكانية، خمسة مزامير لم تُدْرج في لائحة المزامير. وتحدّث عنها في لائحة مخطوطات المكتبة الرسولية الفاتيكانية. وبعد قرن من الزمن، أي سنة 1887، نشر العالم الإنكليزي "رايت" نصّ هذه المزامير عن مخطوط وجده في كمبريدج (انكلترا)، ونقلها إلى الإنكليزية. وتبعه منغانا العالم الدومنيكاني سنة 1927، ثم مارتن نوت الالماني سنة 1930. وانتهى المطاف سنة 1972، ساعة نشر العالم "بيرز" النص السرياني لهذه المزامير بطريقة علمية في إطار نصوص الكتاب المقدّس كما وردت في "البسيطة"، واستند في عمله إلى عدد من المخطوطات التي ترتبط بإيليا الانباري. فإيليا هذا قد يكون وُلد في نصيبين (لهذا سُمّي النصيبيني) في نهاية القرن التاسع، ورُسم مطرانًا على الانبار سنة 922. وهذا يعني أن هذه المزامير الخمسة التي نسخها المطران إيليا الانباري، وربّما نقلها من العبريّة، تعود إلى القرن الثالث.

ترتبط هذه المزامير بالعالم الأسّيَاني، كما يقول النقّاد. والاسّيانيُّونَ هم جماعة يهودية تعود إلى زمن الحَشْمُونيّين (القرن الثاني ق.م.)، مارست شبه حياة رهبانية، معتزلة حياة المدينة، ورافضة إقامة صلواتها في هيكل نجّسته سلالة كهنوتية مغتصبة. وقد تركوا عددًا من الكتب في مغاور قمران. قد تكون ضاعت هذه المزامير الخمسة من النسخة العبرية فوُجدت فقط في السريانية البسيطة.

هذا مع العلم أن المزمور 151 وُجد في اليونانية السبعينية، وفي الهكْسَبْلَة (أي ستة عواميد، وهي كناية عن كتاب وضع فيه أوريجانس نصوص ترجمات الكتاب المقدّس المختلفة في ستة عواميد) السريانية.

وإليكم نصوص المزامير الخمسه:
* المزمور 151

فعل شكر لداود. (مزمور) لداود إذ قاتل جليات وحده.
1- كنت صغيرًا بين إخوتي؛ وفتى في بيت أبي. إذ كنت أرعى قطيع أبي، وجدت أسدًا ودبًا، فقتلتهما ومزّقتهما تمزيقًا. 2- يداي صنعتا آلة، وأصابعي ركّبت كنّارة. 3- من يدلّني على ربّي؟ هو الرب لي. هو الله لي. 4- أرسل ملاكه وأخذني، من بين نعاج أبي، ومسحني بزيت المسحة. 5- إخوتي حسان المنظر وطوال القامة، ولكن الرّب لم يرضَ بهم. 6- خرجت للقاء الفلسطي، فلعنني بأوثانه. 7- فاستللت سيفي وقطعت رأسه، واقتلعت العار من بني اسرائيل.

هذا المزمور هو مزمور مسيحاني، بمعنى أنه يوجّه أنظارنا إلى الملك المسيح الآتي. وهو يروي كيف دعا الله داود ومسحه بالزيت المقدّس. يُجعل في إطار حياة داود، مع أنّه قد يكون ارتبط بالجماعة اليهودية العائشة في مصر. تذكر المقدمة جليات الذي صرعه داود (1 صم 17) وتورد آ 1 كلامه حين صادف أسدًا ودبًا. هذا الذي أخذ (انتُزع) من بين الغنم، سوف يقتلع (ينتزع) العار من بني اسرائيل.

* المزمور 152
قاله داود يوم قاتل الأسد والدب اللذين أرادا أن يأخذا نعاجًا من قطيعه.
1- إلهي إلهي، تعال إلى معونتي. ساعدني وخلّصني. ونجِّ نفسي من القاتلين. 2- هل أنزل إلى الجحيم في فم الأسد؟ أم يظفر بي الأسد فلا أكون؟ 3- لم يكفهما أنهما كمنا لغنم أبي، ومزّقا نعجة من القطيع. هما يطلبان نفسي ليهلكاها! 4- أشفق أيها الرّب على من اخترت، ونجِّ تقيّك من الهاوية. ليثبت (عبدك) على تسابيحك، كل أوقات حياته، وليسبّح اسمك العظيم. 5- فأنت خلّصته من الموت المفسد، وأعدتني من الأسر من فم الوحوش. 6- أسرع يا سيّدي. أرسل من عندك منقذًا، وانتشلني من الهوة التي تفغر فاها، وتريد أن تحبسني في أعماقها.

هذا المزمور هو شكوى فردية. فيه يقابل المرتّل أعداءه بوحوش مفترسة. ولكن يجب أن نفسّره تفسيرًا رمزيًا. فلا نكتفي بالقول إنه يرسم أمامنا مشهدًا من حياة الرعاة. كان المرتّل أسيرًا بين أعدائه وكان مكلّفًا بجماعة دينية، هي قطيع أبيه الذي هاجمه الأعداء. قد نكون هنا أمام معلّم البرّ أو رئيس جماعة الأسيانيّين. ونحن نقرأ في المدائح التي وُجدت في مغاور قمران ما يلي: "حفظتني من فخاخ الهاوية، لأنّ أشدّاء طلبوا حياتي" (2: 21).

* المزمور 153
قاله داود حين شكر الله الذي خلّصه من الأسد والدب، وقتل الإثنين بيديه.
1- هللوا للرب يا كل الشعوب، سبّحوا وباركوا اسمه. 2- لأنّه نجّى نفس صفيّه من الموت، وأنقذ تقيّه من الهاوية. 3- خلّصني من أشراك الجحيم، وأخرج نفسي من الهوة العميقة. 4- فلولا قليل، ما أتى خلاصي من عنده، وصرت قطعتين لوحشين. 5- ولكنه أرسل ملاكه، فسدّ عني الأفواه الفاغرة، وأنقذ حياتي من الهاوية. 6- لتسبّحه نفسي ولتعظّمه، على كل نعمه التي صنعها ويصنع لي.

هذا المزمور هو شكوى فرديّة يطلقها المؤمن. وهو يتجاوب مع المقدمة. نُقل عن العبرية، فجاءت كلماته قريبة من مدائح قمران. نلاحظ في آ 2 لفظة "صفيّه" التي تعود بنا إلى مز 16: 10: "لا تترك في الجحيم (أي عالم الموت) نفسي، ولا تدع صفيّك يرى الهاوية". فالمزمور 16 الذي يحمل معنى مسيحانيًا، قد طبع بطابعه هذا المزمور الثالث من المزامير السريانية.

* المزمور 154
صلاة حزقيال حين أحاط به الأعداء (أو الأشوريون)، فسأل الله أن ينجّيه منهم. كما أخذ الشعب من كورش أمرًا ليرجعوا إلى بلادهم، وسألوا الله أن يتمّم مبتغاهم.

1- سبّحوا الله بصوت عالٍ، أسمعوا تمجيده في جماعة الكثيرين. 2- بين المستقيمين الكثيرين سبّحوا بحمده، ومع الأمناء أخبروا بتسبيحه. 3- شاركوا الأخيار والودعاء في تسبيحه. 4-إجتمعوا معًا وعرّفوا بقدرته، ولا تضجروا من إظهار مجده للبسطاء. 5- ولكي يعرفه محبّو الرّب، أعطيت الحكمة. 6- ولكي تروى أعماله، عُرفت الحكمة لدى البشر. 7- ليعرّفوا البسطاء بقوّته، وليفهموا مجده لناقصي اللبّ. 8- البعيدين عن مدخله، المفصولين عن بابه. 9- لأن رب يعقوب عليُّ هو، وعظمته فوق كل صنائعه. 10- والإنسان الذي يسبح العليّ يرضى عنه العلي كما لو قرّب السميذ. 11- كما لو قرّب تيوسًا وعجولاً، كما لو صبّ دهنًا على المذبح بوقائد عديدة، ومثل رائحة الأطياب من يد الصدّيقين. 12- من أبواب الصدّيقين يُسمع صوته، ومن قول الأبرار نصيحته. 13- عندما يأكلون يشبعون بالحق، وعندما يشربون على مائدتهم معًا. 14- أحاديثهم في نشر شريعة العلي، وكلامهم للتعريف بقوّته. 15- ما أبعد كلامه عن الأشرار، ومعرفته عن كل الاثمة. 16- ها عين الرب على أهل الخير لترحمهم. 17- وعلى مسبّحيه يُكثر المراحم، ومن زمن الشّر ينقذ نفوسهم. 18- تبارك الرب: خلّص البؤساء من يد الأغراب، وأنقذ الودعاء من يد الأشرار. 19- أقام قرنًا (أي قوة) من يعقوب، وقاضي الأمم في اسرائيل. 20- أدام مسكنه في صهيون، وخبّأه في أورشليم إلى أبد الأبدين.

يربطنا عنوانُ هذا المزمور بحدثين من تاريخ شعب الله. حصار أورشليم على يد سنحاريب، الملك الأشوري، سنة 701 ق.م.: فنجّى الربّ شعبه وعاد الأشوريون إلى بلادهم. والحدث الثاني: نداء كورش برجوع جميع المسبّيين من الشرق، سنة 539 ق.م.

أما جسم هذا المزمور وصوره ومفرداته فتنقلنا إلى عالم الاسّيانيين مع "جماعة الكثيرين"، وذكر المستقيمين والأمناء والودعاء والبسطاء والبؤساء. أهل قمران يحبّون النصيحة والتعليم (آ 12) وهم يشتركون دومًا في وليمة ليتورجية يفصلون فيها الخبز عن الخمر. ويقولون أخيرًا إن نشيد الحمد يساوي كل الذبائح. وينتهي المزمور في انطلاقة رجاء مسيحانية: "فالقرن يطلع من يعقوب، وقاضي الشعوب ينهض من بني اسرائيل" (مز 132: 17).

* المزمور 155
صلاة حزقّيا حين أحاط به الاشوريون، فسأل الله أن ينجّيه منهم.
1- أيها الرب، إليك أصرخ، أنصت إلي. 2- بسطتُ يدي نحو ديارك المقدسة. 3- أمل أذنك وهب لي ما اسال. 4- ولا ترفض لي طلبتي. 5- أطلب نفسي ولا تخربها. 7- ولا تعرِّها أمام الاشرار. 7- يا ديّان الحق، ردَّ عني الذين يتجاوزون الشرّ. 8- أيها الرب، لا تحكم عليَّ بحسب خطاياي، لأنه لا يُبرّر أمامك كل حيّ. 9- أفهمني أيها الرب شريعتك، وعلِّمني احكامك. 10- فيسمع الكثرون بصنائعك، ويمدح الشعوب وقارك. 11- أذكرني ولا تنسني. ولا تدخلني بين الذين يقسون عليّ. 12- أجز عني خطايا صباي، ولا تذكر لي تمرّدي. 13- نقّني يا رب من البرص السيِّئ فلا يعود اليّ من بعد. 14- أجعل أصوله يابسة، فلا تنبت أوراقه فيّ. 15- منيع وعظيم أنت يا رب، لهذا تستجيب سؤالي أمامك. 16- إلى من أرفع شكواي فيهبني (الخلاص)، وماذا تزيدني قوّة الشرّ. 17- من عندك أيها الرب اتكالي. دعوت الرب فأجابني، وشفى كسر قلبي. 18- رقدتُ ونمت وحلمت، واستيقظت. 19- والرب عضدني. أشكر الرب لأنه نجّاني. 20- الآن أشاهد خزيهم. رجوتك فلا أخزى. والمجد لك إلى الأبد وإلى أبد الابدين. 21- خلّص اسرائيل صفيّك، وبيت يعقوب الذي اخترته.

هذا المزمور هو فعل شكر شخصيّ ترافقه شكوى: المؤمن متّهم وهو بريء. لهذا يرفع صلاته إلى الربّ بعد أن حصل على عونه ونال نعمة الشفاء. صرخ فاسترعى انتباه الربّ، وطلب أن يطهّر من أثامه ولا يدخل في تجربة. وهكذا حوَّل شكواه إلى نداء من أجل المغفرة والرحمة.

خاتمة:
تلك هي المزامير الخمسة التي وُجدت في اللغة السريانية فارتبطت بجماعة قمران العائشة على شاطئ البحر الميت. "خمسة مزامير لداود لم تكتب في لائحة المزامير"، ولكنها تبقى بعضًا من تراث الصلاة الذي عرفه الشرق القديم، فما زلنا نغرف من معينه.
تحياتى للجميع...
د. أمير فهمى زخارى المنيا