أسامة غريب
قرأت في السيرة الذاتية التي كتبها أحد الأدباء الجملة التالية: عندما كنتُ صغيرًا وجميلاً. أعجبتنى الجملة لأن الصغير بطبيعته جميل ولا يوجد طفل قبيح.. ولكن مع ذلك فقد صادفت في حياتى كثيراً من الأطفال الذين عبث بفطرتهم الآباء فطبعوهم بطابع سمج ونقلوا إليهم خصالهم الفجة وحرموهم من جمالهم الفطرى الذي خلقهم الله عليه.
ورغم كل شىء فالأب يتصور دائماً الروعة في طفله ويظن أنه من النوع الذي يسيل منه شراب الورد إذا تكلم وإذا تحرك، وليس هناك في الواقع من يصدق أن ابنه الحبيب هو كائن رزيل يشكل إضافة لنكد الحياة، ذلك أن إقراره بهذا يعنى أنه هو أيضاً كذلك.
وكم من آباء ذهبوا إلى مدارس أطفالهم وأقاموا الدنيا هناك وأقعدوها لمجرد أن المدرس أراد تقويم طفلاً شديد التدليل..
لا يصدق الأب أن ابنه قليل الأدب، لكن يستسهل اتهام المدرسة والمعلمين بالسوء والفشل. وهذا النوع من الآباء يمتلك جسارة ألا يكتفى بأن الناس تعرفه وتستقبله وتهش في وجهه حرصاً منها على إبقاء حبل المصالح ممدوداً.. لا يكفيه ذلك ولا يكفيه أن الجيران يعاملونه بلطف اتقاء لشره ودرءاً لأذاه، فيظن أنهم يهيمون به ويقرر أن يزيدهم من الشعر أبياتاً من إنتاجه فيصحب المحروس ابنه لزيارتهم حتى ينالوا من نفحات الابن كما جربوا نفحات أبيه. والحقيقة أن هناك غمامة من الحب والعاطفة تعمى الآباء عن رؤية عيوب أطفالهم وتعمل على تضخيم محاسنهم، ومعظم هؤلاء موهومون في ظنهم بأن أولادهم ملائكة تمشى على الأرض وأن أبناء الآخرين هم الأشرار.
وفى كل الأحوال فالأب لا يتخيل مطلقاً أن فلذة كبده يمكن أن يكون مخطئاً في أي عراك مع طفل آخر، وهو على استعداد أن يخوض حروباً مع الآباء الآخرين ظناً منه أنه بهذا يدافع عن صغيره، دون أن يخطر بباله أن المحروس ابنه قد يكون هو المعتدى!، والحقيقة أن الخيط قد يكون رفيعاً هنا بين واجب الأهل في حماية الصغار وبين فكرة أن ننصرهم في كل الأحوال فنزيد من منسوب الطغيان والعدوانية في نفوسهم.
ويلاحظ أنه من الأسهل بالنسبة للأب أن يمضى في أوهامه من أن يواجهها بالحقيقة وهو في هذه الحالة إذا أقر بسفالة ولده فسوف يتعين عليه أن يخوض صداماً مع الذات لأن الابن لم يأت بهذا من كوكب آخر!. ولهذا فإننا لم نعد نستغرب الآباء الذين لا يرون في التطاول على الكبار عيباً، وهؤلاء قد يشجعون طفلهم على إنتاج مزيد من السكر والعسل قائلين: اشتم عمو يا حبيبى، ومن الطبيعى أن الهدية التي يحصل عليها الطفل بعد أن ينفذ الأمر ويشتم عمو ستجعله لا يتردد في إهانة أي عمو في المستقبل!.
نقلا عن المصرى اليوم