طارق الشناوي
فى مطلع عام 1997 تلقى المنتج المعروف جابى خورى اتصالا تليفونيا من الموسيقار الكبير كمال الطويل، انتهت المكالمة بتلك الجملة (ح اسجنك أنت وخالك)، جابى قطعا لا يتخيل أن تقيد حريته ولو لحظات، فما بالكم بذهابه للسجن مع خاله المخرج الكبير يوسف شاهين.
بين الطويل ويوسف شاهين توافق فنى وفكرى وسياسى، الاثنان لهما توجه يسارى ومرتبطان بالناصرية، لماذا يهدد كمال الطويل صديق عمره يوسف شاهين بالسجن؟.
الذى أشعل فتيل المعركة بين العملاقين أغنية (علِى صوتك بالغنا) لمحمد منير، وتحديدا موتيفة (ترلم)، بعد تسجيل الأغنية، قرر يوسف شاهين بدون علم كمال الطويل إعادة المونتاج وحذف منها فقط (ترلم)، (ترقص/ (ترلم)/ أرقص/ غصب عنى/ أرقص) وجد شاهين لو لم تتواجد (ترلم) سيصبح إحساس الجملة أحلى فى الأذن، والصمت أكثر بلاغة من (ترلم).
عندما علم الطويل بالحذف الذى تم بدون علمه، اعتبرها جريمة لا تغتفر، لم يصمت، طلب بداية بالحسنى من يوسف شاهين إعادتها فلم يستجب، قال له يوسف شاهين إنه استمع للحن مئات المرات (بـ«ترلم») ومئات أخرى بدونها، ووجد أنه كصاحب الرؤية النهائية فى العمل الفنى ليس بحاجة إلى (ترلم)، والحذف يضيف جمالا للأغنية، واستشاط أكثر كمال الطويل مصرا على المطالبة بسجنه!!.
ما لم يعلمه يوسف شاهين وجابى خورى أن الطويل لم يكتف بهذا القدر، بل فكر جديا فى مخاطبة المسؤولين عن مهرجان (كان) عندما علم من الصحافة أن الفيلم فى طريقه للمهرجان، طلب منى أن ألتقيه لكى يعرف عنوان المهرجان ويشكو إليهم بخطاب رسمى، ليفضح ما فعله يوسف شاهين.
التقيت الأستاذ كمال وأقنعته بأن الأفضل معالجة الأمر داخل مصر، وبعد جدل استمع الطويل إلى الأغنية بدون (ترلم)، ووجدها تعدى ولا تستحق كل هذا الغضب، ولا تؤثر بالسلب على الأغنية التى صارت، بعد مرور ربع قرن، أحد أهم عناوين منير الغنائية.
دعونا نتأمل الموقف بكل أبعاده، وقتها كان خالد يوسف مساعدا ليوسف شاهين، وكان هو الأقرب لأستاذه. يمتلك يوسف شاهين قدرة استثنائية فى الإحساس الموسيقى، حيث تحمل أفلامه رؤية وكأنها معادل درامى لبناء فنى موسيقى، نختلف أحيانا على المباشرة (الشاهينية) فى التعبير، ولكن لا أختلف أبدا على الإعجاب بالحس الجمالى عند يوسف شاهين، كما أنه يمتلك أذنا موسيقية تتيح له وهو يستمع فى البروفة إلى قطعة موسيقية، أن يضبط عازف كمان (نشاز) لم ينسجم مع المجموعة، كما أنه مارس التلحين فى إحدى أغنيات فيلم (سكوت ح نصور)، عندما تأخر كمال الطويل عن الانتهاء من لحن أغنية للطيفة باسم (لحن الوداع)، فقرر شاهين أن يفعلها، وظهر اسمه لأول مرة على (التترات) ملحنا.
فيلم (المصير) مثل مصر رسميا بمهرجان (كان) وحصل يوسف شاهين على جائزة تذكارية عن مجمل أعماله بمناسبة اليوبيل (الذهبى) للمهرجان 50 عاما على انطلاقه وكانت (علِى صوتك بالغنا) أحد أهم معالمه.
راجع كل ما سبق بدقة، خلاف حاد على (ترلم) من مخرج يتمتع بحس موسيقى استثنائى، فيطالب الملحن بسجنه، بينما هناك من يطالب راجح داود بالصمت والإذعان والرضا بالمقسوم، كواضع للموسيقى التصويرية لـ(سره الباتع)!!.
نقلا عن المصرى اليوم