أمينة خيري
تصادف في يوم واحد أن اطلعت على تجارب مختلفة سردها عدد من الأصدقاء والمعارف جميعها يتعلق بعقيدة العمل لدى البعض في مصرنا العزيزة. التجربة الأولى لدور وساطة لعبها أحد الأصدقاء لمساعدة عدد من الأفراد الذين لجأوا إليه لإيجاد فرص عمل لهم إنقاذًا لهم من شرور العوز. وتصادف- وربما ليست صدفة بل سمة أشرت إليها غير مرة في مقالات سابقة- أن الغالبية المطلقة من هؤلاء الأشخاص، والذى نجح الصديق في إيجاد فرص عمل لهم في أماكن مختلفة تغيبت أو تخلفت أو أهملت أو تواكلت أو تهاونت أو توانت أو تراخت أو قصرت، إلى آخر مفردات التقاعس في الفرص التي تم توفيرها لهم بشق الأنفس. كما تطابقت شكوى أصحاب الأعمال الذين أخبروا الصديق بأن المنضمين الجدد لفريق العمل بدأوا في خلال أيام قليلة من بدء العمل في الانسحاب تدريجياً حيث التأخير مرة، والغياب مرات بحجج مختلفة لا تخرج عن كلاسيكيات «زوجتى في المستشفى» و«ابنى في الحضانة» و«زوج خالتى توفى في البلد» و«أبى في العناية المركزة» و«مريض» إلى آخر حجج الغياب المنصوص عليها في المراجع إلى أن تسربت الغالبية بلا رجعة. صديق آخر حكى عن تجربة مريرة مع عامل توصيل الطلبات في أحد التطبيقات الشهيرة. بالطبع الحكاية تم سردها من طرف واحد، ولكن لولا أننى شخصياً تعرضت لمواقف مشابهة كثيرة، لما صدقت ما جرى. مسؤول التوصيل وصل بسيارته وعلامات الغضب بادية على وجهه (ورجاء دعونا من حكاية أصله صايم وأصله طهقان وأصله غلبان...
إلخ لأن هذه الحجج والأعاذير سخيفة وسقيمة)، ويتحدث مع شخص ما على هاتفه المحمول، واتضح فيما بعد أنها غالباً زوجته ومعركة أسرية ما تدور رحاها أثناء قيامه بعمله (ولن أقول خرقاً وعصفاً ببديهيات أدب التعامل مع الآخرين، حيث لا يصح الحديث في الهاتف وفى الوقت نفسه القيام بعمل في قطاع الخدمات). وانتهى الأمر بأن مسؤول التوصيل ألقى بالشحنة وهى جهاز «لاب توب» للعميل الصديق على الأرض، وانطلق بسيارته انطلاقة «أمريكانى». والتجربة الثالثة لصديقة طلبت من سائق أحد تطبيقات التوصيل أن يخفض صوت الراديو المرتفع جداً، وأن يشغل تكييف السيارة وبعد تمتمة غاضبة تظاهر أنه يخفض الصوت، لكنه لم يفعل، وأدار التكييف الذي اتضح أنه يبخ هواءً ساخناً. وحين اعترضت، أوقف السيارة- التي هي أكل عيشه لأنه غلبان ومقهور وفى عرض فرصة عمل- وأطلق الجملة الأشهر «لو مش عاجبك انزلى»! الغرض من هذا العرض هو البحث عن «عقيدة العمل» لدينا. الشكوى الدائمة والمستمرة هي ضيق ذات اليد وتدنى مستوى المعيشة في ظل عدم وجود فرصة عمل. لكن حين تتاح فرصة عمل، هل نقتنصها ونحترمها ونقوم بها على أكمل وجه؟ أم أن متلازمة «على أد فلوسهم» و«أصلى مضغوط» تسحق المنطق؟.
نقلا عن المصرى اليوم