سحر الجعارة
ما بين الحب والثأر، يولد «يوسف» لترث «نادرة» خمسين فداناً، بين طيات هذه العبارة تفاصيل ومشاعر عشق وكراهية وإرث طويل من «العادات والتقاليد» التى لا تورث المرأة فى صعيد مصر.. وفى القلب منها صراع على الزعامة وحب الامتلاك.. مزيج من السلطة المنفردة بعيداً عن الرقابة القانونية وتواطؤ النجوع المغلقة على عوراتها وفساد «كبارها» وقسوتهم التى تصادر كل أحلام «الصغار».
وكأن النجع يتطهر من أوزاره حين يكشف تفاصيله ببراعة الدكتور «مدحت العدل»، فى سيناريو أشبه بملحمة شعرية من «لحم حى».. تشعر لوهلة بأنك «نادرة» التى تجسدها النجمة «نيللى كريم» التى تحارب الظلم بصدر عارٍ إلا من ثياب القهر وقلب مغلق على ثأر قديم.. ثم تشعر بأنك «الدكتورة أُنس»، جسدتها ندى موسى، التى تضحى بحبها وتغامر بحريتها حتى يسود العدل.. لكن العدل أحياناً لا يعرف طريقه إلى الضعفاء!.
مسلسل «عملة نادرة» يحاكم أجيالاً طويلة قررت وأد المرأة وهى حية بانتزاع حقوقها وميراثها وتحويلها إلى مجرد «أداة للإنجاب».. ويحارب مجتمعاً اختطف البنات من تعليمهن وحرمهن العمل ليصبحوا خدماً فى بلاط «مالك الأرض»!.
سنوات القهر لم تفرز لنا إلا جماعات العنف الدينى، وكرّست نمط «الكبير» الذى يستحل لنفسه كل المحرمات والممنوعات من تجارة الأسلحة إلى تهريب الآثار، ويدافع عن هيبته بـ«الدم».
ورغم قسوة الواقع، يشهر الحب أسلحته فى عناد «نادرة» وتمرد «أُنس».. ورغم ضعف البطلة واستسلام الكل لقانون النجع الظالم.. لا تستهين بتلك الأسلحة فكما أردد دائماً «الفن أداة تغيير» للمجتمع هو الأقدر على نشر الوعى وتوجيه العقل الجمعى صوب الحق.. والحقيقة أننا اختبرنا قوة «القوى الناعمة» فى إصلاح المجتمعات كثيراً وقدرتها على رفض محاولات الاستقطاب بتحريم الفن وتحجيب الفنانات أو بالاحتكار وركن نجومنا على الرف.. وفى كل مرة تتجلى الدراما المصرية كمارد يأبى الخضوع مهما كانت الإغراءات.
«نيللى كريم» نجمة من طراز خاص، تدخل القلب دون استئذان لأنها تشبهنا، تحمل وجعنا وألمنا وتصرخ نيابة عنا.. النجم «جمال سليمان» كعادته كبير القيمة والأداء.. الاختيار الواعى للقطة وزاوية التصوير والديكور والملابس لم تكن تتجلى إلا فى قلب الملحمة الشعرية التى غناها «محمد منير» لرباعيات الشاعر الراحل «عبدالرحمن الأبنودى».
استطاع المخرج «ماندو العدل» أن يقارن ثقافة الحياة بثقافة الموت فى مشاهد «المولد»، وأن يضع القبح فى مواجهة الجمال، وأعاد اكتشاف الفنان «أحمد عيد».. وقدم الصعيد بواقعية وأناقة.
وحبكة درامية فى عالم مختلف تظهر فيها تيمة من تيمات قهر النساء لو بتعليبهن.
تبقى قيمة العمل الأساسية فى «الموضوع» خاصة أن قضية ميراث المرأة محل مناقشة مجتمعية، وأنا أؤمن بأن الدراما الصادقة تختصر مسافات زمنية طويلة فى تغيير الوعى الجمعى.. وأنها البطل على مواجهة الناس بذنوبهم وخطاياهم:(الدم يود اللغة.. كهمسة العاشقين.. نظرة أخيرة ما بين عيون شاهدين.. حزنى القديم عاود.. وجانى تانى تانى.. من اليتامى.. ومن ليالى المقهورين).
نقلا عن الوطن