كتبها :    Oliver
- نعم يجرح الله و يعصب. قد يجرح جرحاً هيناً و قد يسحق سحقاً كاملاً لكن يداه تشفيان بعد الجرح و بعد السحق.

لكن يبقي الألم بين الجرح و الشفاء فليس معتاداً أن يجرح و يعصب في ذات الوقت. قد يمر وقتاً طويلاً حتي نصل بعد الجرح إلي الشفاء. أي 5: 18.

مرت علي أيوب البار عشرات السنوات حتي جازت الجروح و حل الشفاء. لم تكن سنوات قليلة و لم تكن يسيرة أبداً لكنها مرت و إحتفظ فيها البار برجاءه و ثقته في الله حتي جاء زمن التعويضات مئة و أربعون سنة يتمتع فيها بيد الله التي تعصب و تشفي.

- قد يكون الجرح صعباً حين يضع الله مشرطه في يد أحباءك فتنجرح حباً و تنزف حباً و تدمع حبا.تتساءل  لماذا هذه الجروح؟ لماذا هذه الظنون و التشكيكات؟ لماذا القساوة و الإتهامات بلا سند ؟ لماذا هذا التحول المفاجئ ؟ لماذا يستغل أب أبوته للقهر أو زوج قدرته علي السحق؟   لماذا الجفاء بين الأخوة و عدم الوفاء بين الخلان؟ لماذا تأت الخيانة من أقرب الأقربين؟ قائمة من الأسئلة و التساؤلات لا تنتهي لن تجد إجابة عليها في زمن الجرح لكنك ستجد كل الإجابات حين يأتي زمن الشفاء و التعويضات.

- كان داود في الحقل لا يطلب ملكاً و لا جاهاً. جاء صموئيل النبي ليمسحه ملكاً و هو لا يعلم. مسحه صموئيل العظيم و هو خائف من شاول.1صم1: 2 . كان منصب الملك عبئاً و مصدر أوجاع لداود الشاب الصغيرالذي لم تشغله هذه التطلعات. صار الملك غير المتوج هارباً سنوات عدة. يتعرض كل يوم للموت. لم يكن يدرك أن رحلة جروحه رمز للملك المسيح الذي لم يعاملونه كملك في الأرض إلا للسخرية و حين صلبوه علقوا علي صليبه أنه الملك.

- داود الملك الهارب الأشهر. الملك الحقيقي الذي أراد أن يخدم شاول الملك المرفوض. ذهب ليقاتل في الحرب معه. قتل الفلسطينيين أكثر منه تعرض للموت أكثر منه. نال الثناء و الأغنيات بعد عودتهم من الحرب. صار مديح النساء له وبالاً عليه. إغتاظ منه شاول بالأكثر. ما بال الجراح لا تتوقف. حتي بعدما وجد في يوناثان إبن شاول تعزية وجده مقتولاً مع شاول في الحرب. مات شاول و لم تنته الجراح . طلع خنجراً من بيته. إبشالوم إبن داود ضد داود. معه الخائن أخيتوفل مؤامرات الأحباء كالملح علي جراح داود و مرارتها من الداخل أكثر من التي من خارج. تبدو أحيانا المناصب مبهرة ويكللها الشوك و جراحاتها لا تتوقف. عاش داود النبي الفترة بين الجرح و الشفاء.

- إن سألت داود النبي ماذا بين يجرح و يعصب فسيجيبك. كانت مزاميري هناك بين الجرح و الشفاء. أحزاني في ألحانها و كلماتها. صارت آلامي نشيداً يعزفه آساف و تغنيه بنوقورح. مزاميري الحزينة ممتلئة رجاءا و قوة. أضعها مع أناتي قدام من إختارني ملكاً. لم أترك الجراح تدفعني لجرح أحد. لم أقبل العار علي جيراني الذين أذوني و لم اصنع بقريبي غشاً و هو يخونني. كنت الملك المتوج الذي يتنقل من جرح إلي جرح. يسلمه الألم إلي ألم جديد. إن بطلت مشورة أخيتوفل معه زادت قساوة إبني إبشالوم عليه.

كنت واثقاً من الشفاء لكنني لم أعلم وقته حينها. لم تتزعزع ثقتي و لا فترت محبتي أو توقفت خدمتي.

- إن كنت مجروحاً فإختبئ في الصخرة. في المسيح تدخل بالصلاة. إمزج آلامك و دموعك بالصلاة لأن صلاة كهذه ترج أعتاب السماء. تدخل طلبتك إلي الرب بإقتدار و يحتفظ الرب بما فيها من دموع فتصير جواهر ترصع إكليلك حين تغلب.

سيأت زمن الشفاء لن يتأخر عن وقته. لكن لا تضع للرب شروطاً و أزمنة من عندك. لا تشتك كثيراً للناس فلا شيء يصنعونه لك إلا قليلاً. لا تكثر الحديث عن آلامك فالناس يملون و ينفرون ممن يزيد أتعابهم بأتعابه.

عندنا إله لا يمل و لا يصمت عن جراحنا. يسمع و يستجيب, إمسك بقرون المذبح و إشبع بالذبيحة المسيح. مارس حق بنوتك عنده و إبدأ في طلب ميراثك في الأوقات العصيبة. لا تدع أفكار إبليس تنتابك. لست مرذولاً و لا مرفوضاً. أنت فقط ملك هارب من عدوه كداود. سيأت يوم الشفاء الذي هو في سلطان الله وحده. عليك أن تعبر النهر حتي تصل إلي الضفة الأخري. هناك تستقر النفس و تغمرك المراحم كالمياه التي لا تعبر. هناك لن تندم أنك تحملت بحب جراح المحب.

- إن فترة ما بين يجرح و يعصب هي ميزان القلوب. فيها تتعرف علي نفسك و عمق محبتك و قوة إيمانك. و تتعرف علي قدرة الله و عنايته و عجائبه في الضيقات. هذه هي مساحة الجهاد القانوني الذي أوصانا به الكتاب.هنا نجاهد و نؤكد الحب بالفعل .

أما في الشفاء فأنت النفس المدللة عند إبيها حيث الدروس أقل. قد تصبح أغلب أيام حياتنا هي تلك المرحلة التي بين ما يجرح و من يعصب فإن قضيناها محتمين بمواعيد الله الصادقة ننجو من حروب اليأس و التشكيك و نترك التذمر لإبليس.

- علي من يتصدي للتعليم أن يعلم أن الشفاء لا يصاحب الجرح لكنه يلاحقه. لأنه لو حدث الشفاء فوراً فما الداع للجرح أصلاً.

فلا تُعلموا أن شفاء النفس يتم بين يوم و ليلة و حلول المعضلات لابد أن يصير سريعاً لكن عَلٍموا أن الأوقات قد وضعها الآب في سلطانه و هو وحده يعلم متي يجرح و متي يعصب و نحن نثق في حكمته و محبته و قدرته و أبوته.