الأنبا إرميا
يحتفل مَسيحيو الشرق بعيد «أحد السعف» الذى يطلَق عليه أيضًا «عيد الشَّعانين» أو «عيد دخول السيد المسيح إلى أورشليم»، وهو يوافق الأحد السابق لعيد «القيامة»، ويعقبه «أسبوع الآلام» أو «الأسبوع المقدس» الذى يُعد أقدس أيام العام لدى أقباط «مِصر».
وكلمة «شَعانين» هى لفظة مشتقة من الكلمة الآرامية: «هُوْشَعْنا»، وتناظرها فى اليونانية لفظة «أُوصَنّا»: أيْ «خلِّصنا»؛ وهى تتكون من مقطعين: «هُوْشَع» ويعنى «خلِّص» أو «أَنقِذ»، و«نا» الذى هو تعبير يدل على شدة احتياج قائله، فيصبح المعنى: «خلِّص الآن». وقد كان دخول السيد المسيح إلى «أورشليم» مواكبًا آنذاك للاستعداد لـ«عيد الفصح» اليهودى الذى يُحتفل به فى الرابع عشر من نيسان تَذكارًا لخروج بنى إسرائيل من «مِصر» بقيادة كليم الله «موسى النبى».
وفى الرحلة إلى «أورشليم»، أرسل السيد المسيح تلميذين للإعداد للرحلة: «ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجى عند جبل الزيتون، حينئذ أرسل يسوع تلميذين»، «قائلًا لهما: اذهبا إلى القرية التى أمامكما، فللوقت تجدان أتانًا مربوطة وجحشًا معها، فحُلاهما وائتيانى بهما. وإن قال لكما أحد شيئًا، فقُولا: الرب محتاج إليهما. فللوقت يرسلهما.. فذهب التلميذان وفَعَلا كما أمرهما يسوع، وأتَيا بالأتان والجحش...»؛ وقد كان هذا الحدث تتميمًا لنبوءة «زكريا النبى» قديمًا: «ابتهجى جدًّا يا ابنة صهيون، اهتِفى يا بنت أورشليم. هو ذا ملككِ يأتى إليك. هو عادل ومنصور وديع، وراكب على حِمار وعلى جحشٍ ابن أتان». وهكذا بدأت الرحلة إلى «أورشليم»، التى لم يصحب السيد المسيح فيها تلاميذه فقط، بل تبِعته جموع كثيرة بعد أن أقام «لعازر» من الموت، بعد أن كان له أربعة أيام فى القبر: «وكان الجمع الذى معه يشهد أنه دعا لعازر من القبر وأقامه من الأموات». ومن الجموع من وضعوا فى الطريق ثيابهم، ومنهم من فرش أغصانًا من الشجر، وكانوا يصيحون: «أُوصَنّا لابن داود! مبارك الآتى باسم الرب! أُوصَنّا فى الأعالى!». وحين سمِعت الجموع التى كانت فى «أورشليم» أن السيد المسيح قادم للاحتفال بعيد الفصح، استقبلوه بحفاوة بالغة بسعف النخيل كاستقبال الملوك المنتصرين، حتى إن مدينة «أورشليم» اهتزت! فيذكر الكتاب: «ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: «من هذا؟»». وبهذا اهتزت مدينة «أورشليم» مرتين: الأولى فى ميلاد السيد المسيح حين جاء مجوس المشرق متسائلين عن المولود ملك اليهود، الذى رأَوا نَجمه فى المشرق وأتَوا كى يقدموا إليه هداياهم ساجدين، والثانية مع اقتراب خدمة السيد المسيح على الأرض من الانتهاء، حيث ارتجت المدينة متسائلة عن هذا الآتى باسم الرب!، وكان التلاميذ يسبحونه، ما أثار حفيظة الفريسيين: «ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون، ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم، لأجْل جميع القوات التى نظروا، قائلين: «مباركٌ الملك الآتى باسم الرب! سلام فى السماء ومجد فى الأعالى!». وأما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له: «يا معلم، انتهر تلاميذك!». فأجاب وقال لهم: «أقول لكم: إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ!».». وقد صرخت الحجارة بعد ذلك يوم الجمعة العظيمة، وأيضًا امتلأ رؤساء اليهود حقدًا وغيظًا، قائلين بعضهم لبعض: «انظروا! إنكم لا تنفعون شيئًا! هو ذا العالم قد ذهب وراءه!».
لقد قدم إلينا دخول السيد المسيح إلى «أورشليم» صورة للملك الحقيقى: الذى يملك على قلوب الناس بالمحبة والرحمة. وقد امتلأت حياة السيد المسيح بالرحمة، إذ جال يصنع خيرًا مع الجميع؛ وما وطِئت قدمه مكانًا إلا وامتلأ بالخير والمحبة والسلام والشفاء؛ فكم من مرضى شُفوا بكلمة أو بلمسة من يده! وكم من موتى أقامهم من الأموات! وكم من متعب وجد راحته فى شخصه العجيب! حتى إنه قال: «تعالَوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال، وأنا أريحكم.»، كى يتم ما قيل بالنبيّ إِشَعْياء: «لكنّ أحزاننا حمَلها، وأوجاعنا تحمَّلها». لقد ملك السيد المسيح مُلكًا روحيًّا يسعى إلى خلاص البشر الروحى ليقود كل من يملِّكه على قلبه فى الطريق إلى الحياة الأبدية.
كل عام وجميعكم بخير. و... والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!
نقلا عن المصرى اليوم