ونحن فى أيام الصوم- سواء الصوم الكبير أو صوم رمضان لدى إخوتنا المسلمين- فلنرجع إلى الله بالتوبة، وما دامت الخطيئة هى الابتعاد عن الله، فالتوبة - إذن- هى تصالح ورجوع إلى الله. ولكى يقبل الله صومنا وصلواتنا، لابد من:
 
أولًا: لا تؤجل التوبة:
«اللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِى كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ» (أعمال 30:17).
 
«إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ» (لوقا 5:13).
 
لذلك لا تؤجل توبتك إذن!!.
 
فباب التوبة المفتوح للجميع سيظل هكذا إلى لحظة من اثنتين:
 
- إما فى المجىء الثانى، والقيامة العامة! والدينونة..
 
- وإما أن أذهب أنا إليه، حين أترك هذا الجسد الفانى فى موعد لا أعرفه!
 
لهذا حينما سأل الشاب أباه الروحى: ما أفضل يوم للتوبة يا أبى؟ أجابه: اليوم الذى يسبق الوفاة يا ابنى! فمضى الشاب فرحًا، قائلًا لنفسه: تمتعى يا نفسى بكل ملذات الدنيا، المهم أن تتوبى فى اليوم السابق للوفاة!!.. وفجأة، تذكر الشاب أنه لا يعرف يوم وفاته، فعاد ليسأل أباه الروحى: «ولكنى لا أعرف يا أبى يوم وفاتى!!»، فأجابه أبوه الروحى: «إذن، فلنتب من الآن!!».
 
توبة القديس أغسطينوس..
عندما سمع آيات الكتاب المقدس القائلة: «أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِى النَّهَارِ لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ لاَ بِالْمَضَاجِعِ وَالْعَهَرِ لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ.. وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ!!» (رو 11:13-14).
 
هذه هى الآية المقدسة التى كانت سببًا فى خلاص القديس أغسطينوس، حيث كان يحمل إنجيلًا، وإذا بطفلة تقول له: «افتح واقرأ».. ففتح وجاءته الآية السابقة، وكانت سببًا فى خلاصه، حيث ذهب إلى القديس أمبروسيوس وتاب واعترف، وصار قديسًا بتولًا وفيلسوفًا لاهوتيًا!!.
 
وفى هذه الآية نلاحظ موضوع «زمان التوبة»، وضرورة «سرعة» التوبة، وذلك فى الكلمات التالية:
 
- «أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ»!!
 
- «خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا»!!
 
- «تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ»!!
 
- «لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِى النَّهَارِ»!!
 
وكلها كلمات تفيد معنى الوقت، والسرعة، والتوبة العاجلة!!
 
لذلك يقول الكتاب المقدس:
 
- «الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ» (عبرانيين 7:4).
 
- «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ (الخطيئة)» (أفسس 14:5).
 
ويقول معلمنا يوحنا الرسول: «مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِى الْقِيَامَةِ الأُولَى (أى التوبة). هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِى (الأبدى فى الجحيم وجهنم) سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ» (رؤيا 6:20).
 
وفى هذه الآية نلاحظ:
 
1- إن القيامة الأولى هى قيامة التوبة، وهى تغيير الذهن، وترك الموت الروحى والبعد عن الله.
 
2- إن من يتوبون لا يسقطون فى الموت الثانى (الأبدى) الذى للخطاة، رافضى التوبة حتى النهاية، وإلى النهاية.
 
- ما أحرانا أن نتوب سريعًا!! - وباستمرار!!
 
- حتى ننال النصيب المعد لنا!!
 
ثانيًا: التوبة طريق الحياة:
 
ينادى معلمنا بولس الرسـول الإنسان الغارق فى الخطية قائلًا: «اسْـتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِىءَ لَكَ الْرب» (أفسس 14:5).
 
ولا شك أن الإنسان الغارق فى خطاياه هو فى حكم الميت، ويحيا فى قبر من قبور الخطية. ولعلنا نذكر بنى إسرائيل حينما اشتهوا أكل اللحم، وأعطاهم الرب المن والسلوى بكميات وفيرة، ثم غضب عليهم وأمات الكثيرين منهم، ودفنوا فى مكان دُعى: «قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ» أى «قبور الشهوة».
 
وهل هناك قبور أكثر وأخطر من قبور الشهوة؟..
 
- شهوة الجسد موت!
 
- وشهوة العيون موت!
 
- وتعظم المعيشة موت!
 
- ومحبة العالم موت!
 
■ «وَأَمَّا الْمُتَنَعِّمَةُ (بالخطيئة) فَقَدْ مَاتَتْ وَهِىَ حَيَّةٌ!» (1تيموثاوس 6:5).
 
■ لأن «اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ» (رومية 6:8).
 
- وطوبى لمن نفض عنه أكفان الشهوة، وانتفض تاركًا قبور الخطيئة، وانطلق نحو ملكوت الحياة، وعاش حياة الملكوت!
 
- طوبى للإنسان الذى لم تخدعه شهوات هذا الدهر، ولم تحبسه قبور هذا الزمان!
 
■ «فَالْعَالَمُ يَمْضِى وَشَهْوَتُهُ» (1يوحنا 17:2).
 
■ «وَالشَّهْوَةُ تَبْطُلُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ الأَبَدى» (جامعة 5:12).
 
إذن.. «مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ» (متى 26:16).
 
- فهل بدأت يا أخى العزيز طريق التوبة؟
 
- هل نفضت عنك شهوات هذا الزمان الخانقة؟
 
■ وفى المثل الذى طرحه السيد المسيح والمعروف بمثل الزارع، علمنا أن الشهوات الجسدية والمادية هى كالشوك الذى يخنق فيك كلمة الله ومعرفته.
 
لذلك تعال إلى الرب.. وادخل إلى شعب الله، المحب له، والراجع إليه تائبًا..
 
نعم، إن توبتك يا أخى سوف تدخل بك إلى زمرة شعب الله، لتصير من «أَهْلِ بَيْتِ اللهِ» (أفسس 19:2)، فأى امتياز أعظم من هذا؟!
 
- أن يصير الله أبًا لك!
 
- وأن يصير القديسون والمؤمنون إخوة لك!
 
فهو القائل:
 
■ «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ» (يوحنا 25:11).
 
■ «إِنِّى أَنَا حَىٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا 19:14).
 
نعم.. إن الرب هو سر حياتك!!
 
- حياتك الجسدية.. لأنك به تحيا وتتحرك وتوجد!!
 
- وحياتك الروحية.. لأنك به تدخل إلى العشرة الإلهية فتحيا روحك!!
 
- وحياتك الأدبية.. لأنك فيه تصير ابنًا لله!!
 
- وحياتك الأبدية.. لأنك فيه تصير وارثًا للملكوت!!
 
فلنحيا مع الرب وللرب، ولإلهنا كل المجد إلى الأبد.. آمين.
 
* الأسقف العام للشباب
 
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصري اليوم