صلاح الغزالي حرب
أولًا.. أيقونة طب قصر العينى:

أتحدث تحديدًا عن الزميل العزيز، الأستاذ الفاضل، د. مازن نجا، أستاذ الأمراض الباطنة والجهاز الهضمى بطب القاهرة، والذى احتفت به الكلية، منذ أسابيع قليلة، بمناسبة إطلاق أول أطلس عربى لمناظير الجهاز الهضمى في الشرق الأوسط والعالم العربى، وهو إنجاز متميز، بعد جهود شاقة للزميل الفاضل وزملائه الكرام، وقد اخترت أن أترك المجال للدكتور مازن يحكى لنا قصة الأطلس: (منذ 25 عامًا مضت، كنت أحلم بعمل مكتبة مصورة لمناظير الجهاز الهضمى، يتم اختيارها من حصيلة مجهود شاق ومستمر لمدة ما يقرب من 26 عامًا، في مجال يتطور كل يوم، وبسرعة كبيرة، أملًا في إنتاج مرشد سهل وغنى بالمعلومات لكل العاملين في مجال هذا التخصص في مصر والعالم العربى.. وقد كان تحديًا كبيرًا، استهلك وقتًا طويلًا، وتفرغًا تامًّا، وفى عام 1998 بدأت مع مجموعة من الزملاء الشباب في تنفيذ الفكرة، وكنا نجتمع في منزلى للبحث في عدة صناديق، مليئة بمئات من شرائط الأفلام، لحالات تم تصويرها على مدى عشرين عامًا، حيث قمنا بتقطيع الشرائط- كل حالة على حدة- ثم توضع في إطار خاص بآلة عرض الصور، ثم تُعرض الصور، ويتم تشخيصها، وتصنيفها، ووضعها في الأرشيف الخاص بها في الجزء الذي تتبعه في الجهاز الهضمى.

وفى عام 2016 بدأ التفكير في تحديث هذا العمل، وهو عمل جماعى اشترك فيه عدد كبير من الزملاء، وبدأ العمل بمجموعة من شباب الأطباء لمراجعة تسجيلات الفيديو للحالات الخاصة بى من عام 2003 حتى 2020، وتم تقسيمها إلى خمسة أجزاء تبعًا لأجزاء الجهاز الهضمى «المرىء والمعدة والاثنى عشر والقولون والقنوات المرارية»، وتم اختيار عدد من الصور لكل حالة مرضية، مع اختيار أفضل صورة، وقد وصل عدد الصور التي تم اختيارها للأطلس إلى حوالى 1300 صورة، مع إضافة تعليق على كل صورة، واشترك معى في هذا العمل الشاق الدكاترة محمد النكلاوى وضياء السيد وسامح محمد وأحمد عبدالحليم، ووضعنا في مقدمة الأطلس نبذة عن تاريخ معهدنا العريق طب قصر العينى، مع بعض الصور القديمة والجديدة من أ. د. هشام المناوى، ثم تلت ذلك كتابة الجزء النظرى العلمى، واشترك فيه الزملاء الأعزاء الأساتذة الأطباء شريف مجاور وأحمد البدرى وأيمن فؤاد ومجدى فوزى وشيماء الخولى.. وتتميز النسخة الثانية من الأطلس بأنها على الشبكة العنكبوتية، مما يتيح إمكانيات أكثر من الكتاب المطبوع، وقد تم هذا في فبراير 2021، وأخيرًا، وفى فبراير من هذا العام، تم بحمد الله طبع حوالى مائة نسخة من الأطلس، وأقامت الكلية حفل توقيعه، بمشاركة عميدة الكلية وعدد كبير من المتخصصين في هذا المجال من مصر وخارجها، بالتزامن مع مؤتمر وحدة المناظير والجهاز الهضمى والكبد بالكلية).

انتهت رسالة د. مازن، وتبقى كلمة أخيرة.. لقد تعمدت، اليوم، أن ألقى الضوء على واحد من الأطباء المصريين، الذين تعلموا على أيدى أساتذة عظام، يرحمهم الله، ثم استكمل مسيرته بجهوده الذاتية مسلحًا بالإيمان بالله والأمانة والإتقان والتفانى في العمل، على حساب صحته وحياته الخاصة كى تكون رسالة موجهة أولًا إلى شباب أطبائنا كقدوة حسنة تحفزهم على الإتقان وضرورة متابعة المسيرة الطبية العالمية، التي تتطور بسرعة كبيرة، وموجهة من ناحية أخرى إلى المسؤولين عن التعليم العالى والصحة في مصر بضرورة الاهتمام بمثل هذه النماذج المضيئة في سماء الطب في مصر ليس فقط في طب القاهرة، بل في كل الجامعات وكل التخصصات، ولكنها تفتقد المتابعة والمساندة وإلقاء الضوء عليها في وسائل الإعلام، التي تلهث للأسف وراء نماذج متواضعة، كما أطالب بعودة الاحتفال السنوى بعيد العلم احتفالًا يليق بعلمائنا في كل المجالات، ومشاركة علمائنا المغتربين بالخارج، فبغير العلم لن تقوم لنا قائمة.

ثانيًا.. إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة:
عندما انتقلت من سكنى بحى المهندسين في الجيزة إلى التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة كان الغرض هو اللجوء إلى الهدوء والنظام والبُعد عن الزحام الخانق والفوضى، التي تسربت إلى هذا الحى، في غيبة مؤسفة لمحافظة الجيزة، ولكنى بعد سنوات قليلة، بدأت أشعر بأن ما حدث في المهندسين قد انتقل إلى القاهرة الجديدة، وبالطبع في معظم المدن الجديدة، ويتمثل ذلك في فوضى الزحام وفوضى المرور وسيطرة مافيا الميكروباصات على الطريق وكثرة أعداد السلاسل التجارية في أماكن غير مدروسة وبغير إعداد جيد لاستقبال الزائرين مع ظهور مافيا السايس وسيطرته على الشارع وغيرها.. وقد سبق لى أن عرضت اقتراحًا على وزير الإسكان ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية، في مقال بـ«المصرى اليوم»، يتضمن زيادة الصلاحيات الموكولة إلى السادة رؤساء المدن الجديدة، كما هو الحال مع السادة المحافظين، وكالعادة، للأسف، لم أجد استجابة من كليهما، وهو أمر مؤسف، يترجم ما سبق أن تحدثت عنه من غياب الحس السياسى لدى الكثير من المسؤولين، والذى طالب به رئيس الدولة.. فالمحافظ يُعتبر قانونيًّا ممثلًا للسلطة التنفيذية بالمحافظة، ويشرف على تنفيذ السياسة العامة للدولة ومرافق الخدمات والإنتاج في نطاق المحافظة، كما جاء في القانون الجديد، وهو ما يجب أن يسرى على رؤساء المدن الجديدة كى يتمكنوا من أداء عملهم على الوجه الأمثل، وقد رحب كثيرون من رؤساء المدن بهذا الاقتراح، الذي لا يعنى بالطبع تبعية المدن الجديدة إلى الإدارة المحلية، ولكنه يسهل عملهم وسيطرتهم على مجريات الأمور، وخاصة فيما يخص المرور وفوضى الميكروباصات من أجل المحافظة على هذه المدن الجديدة ومنع نمو العشوائيات التي عانينا منها من قبل.. فهل من مجيب؟!.

ثالثًا.. التعليم'>لا لتخريب التعليم:
أطالب السادة أعضاء مجلسى النواب والشيوخ بأن يتصدوا بقوة لعملية التخريب، التي تجرى أمام أعيننا للتعليم قبل الجامعى، فلم يكفِ أن تخلو صفوف طلبة الثانوية العامة في معظم مدارسنا من التلاميذ، الذين بدأوا دراستهم في المراكز الخاصة قبل بدء الدراسة الرسمية بعدة أسابيع، وقد أبلغنى أحد أولياء الأمور من متوسطى الحال بأنه استنفد كل وسائل الاقتراض كى يدفع ما بين 500- 900 جنيه لكل مادة من مواد الثانوية العامة لابنه في القسم الأدبى!، ولم تكفِ محاولة السيد الوزير الاعتراف بهذه المراكز، قبل أن يتراجع عنها، ولكن امتد التخريب إلى عقول تلاميذ الصفوف الأخرى بحجة تبكير امتحان الثانوية كى يتناسب مع مواعيد مكتب التنسيق واحتياج الوزارة إلى أماكن امتحان الثانوية العامة!، فصدر القرار بتخفيف المناهج الدراسية للصفوف من الثانى الابتدائى حتى الثانى الثانوى، وصرح المتحدث الرسمى للوزارة بأنه سيتم تحديد أجزاء من المناهج لهذه الفرق للاطلاع فقط!، والتعلم الذاتى!، بما لا يخل بالمفاهيم الكبرى ونواتج التعلم!!.

كما أن هذه الدروس والصفحات لن تأتى منها امتحانات الشهر ولا نهاية العام!، وهو ما يعنى بصراحة مؤلمة (كلفتة) المنهج وإهانة العلم والمعرفة، فقد بدأت الدراسة في الثلث الثانى من فبراير، ومن نصف إبريل تبدأ الإجازات الموسمية، ثم تبدأ الامتحانات النهائية في أول مايو، في حين أن المدارس الدولية تبدأ امتحاناتها في 25 يونيو، بعد أن يكون تلاميذها قد تعلموا بأمانة، واستوعبوا الدروس، في الوقت الذي تبدأ فيه غالبية تلاميذنا إجازة طويلة تتعدى أربعة أشهر!، فمَن يتحمل مسؤولية هذا العبث بمستقبل تلاميذنا، مع خلق حاجز طبقى كريه بينهم؟!.

ولماذا لا تفتح المدارس الحكومية أبوابها اختياريًّا، وبمبالغ رمزية، لمدة شهرين من الإجازة السنوية، لمَن يرغب من التلاميذ لممارسة هواياته العلمية والأدبية واللغوية والرياضية والفنية وغيرها، ولكى نقضى على كارثة التصاق تلاميذنا بالهواتف الجوالة وما ينتج عنها، للأسف الشديد.. أرجو الانتباه.
نقلا عن المصرى اليوم