أمينة خيري
«المزاج العام» عبارة رائعة. والمزاج العام ليس قطعة إملاء يحددها نظام سياسى، أو إسفنجة تتلون بألوان ما يمليه علينا رجال الدين أو القضاء أو القانون أو الاجتماع. المزاج العام منظومة تفرض نفسها متحدية الجميع. والحقيقة أن المزاج العام فى الكوكب هذه الآونة يميل إلى التركيز على المصالح الذاتية، سواء على مستوى الأفراد أو الدول. صحيح أن الطبيعة البشرية تعمد إلى الحفاظ على صحتها وأمنها ومصلحتها الذاتية بالفطرة، لكن موازين السياسة الدولية والعلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول وتوازنات القوى وغيرها كانت تفرض واجهات من الاهتمام بقضايا دولية، مثل الحقوق والحريات والديمقراطية والعدالة وغيرها من الأفكار والمفاهيم العابرة للحدود. هذه الواجهات بالطبع فيها ما يفيد، لكنها أيضاً ليست إلا أدوات سياسة خارجية ووسائل تحقيق مصالح ولكن من خلف الستار. الأحداث الجسام التى تواترت على الكوكب فى الأعوام القليلة الماضية، من «ربيع عربى» اتضح بعد أشهر قليلة أنه ربيع جماعات الإسلام السياسى وحدها، وتناحرات الصين وأمريكا، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (بريكست)، وكوفيد-19، وحرب روسيا فى أوكرانيا، والمناخ الذى كشر عن أنيابه، وغول انعدام الأمن الغذائى والطاقة، والأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تعصف بأغلب الدول بما فيها دول غربية متقدمة عدة جميعها ساهم فى كشف الستار عن المزاج العام الجديد للكوكب، وهو المزاج الشعبى غير المنعكس بالضرورة فى وسائل الإعلام ومحتوى الـ«سوشيال ميديا» حتى فى أكثر الدول تمتعاً بالحرية والديمقراطية.

هو مزاج عام أبعد وأخطر وأشمل من مجرد ورقة بحثية تتعلق بالصحة النفسية للمراهقين القلقين على مستقبلهم فى عالم ضبابى، أو من خارطة مصالح وسياسات دولية وتكتلات إقليمية يعاد رسمها وتخطيطها فى ضوء المتغيرات الجارية، أو حتى من تركيز على «بعبع» الصين أو «أشكيف» روسيا أو وحش كوريا الشمالية الغامض. التغيرات الكبرى الطارئة فى ملفات مثل الهجرة واللجوء حيث درجات ترحيب أقل بكثير- وأحياناً منعدمة- فى دول كانت تفتح ذراعيها لهم حتى سنوات وربما أشهر قليلة مضت، أو فيما يتعلق بالتعامل مع دول مثل أفغانستان، حيث تحول دراماتيكى من اعتبار طالبان إرهاباً وقهراً وديكتاتورية دينية إلى حالة أقرب ما تكون من التصالح أو التغاضى أو التعامى عنها وعن أفكارها التى لم تتزحزح قيد أنملة عما كانت عليه وقت غزت أمريكا وحلفاؤها أفغانستان وأطاحت بالحركة من السلطة بغرض القضاء على الإرهاب وتأسيس الديمقراطية وبناء دولة حديثة لا مجال للعنف الدينى فيها. وقائمة الملفات والمفاهيم الآخذة فى التغيير من وجه السياسة والاقتصاد فى العالم، ومن ثم إحداث التغيير فى المزاج العام كثيرة. اليوم باتت دول العالم - فى رأيى - أكثر انغلاقاً على نفسها، ومواطنوها أكثر صراحة فى تحديد أولوياتهم ومصالحهم وليس أولويات ومصالح الآخرين. انتهى - لحين إشعار آخر - عصر النظرة العامة الشاملة لصالح البشرية، ونستهل عصر صالح الأفراد وكل مجتمع على حدة.
نقلا عن المصرى اليوم