ياسر أيوب
فوجئ الأديب العالمى ماركيز'>جابرييل جارسيا ماركيز بخادمته تؤكد له أنهم أولاده حين سألها عمن كانوا حوله منذ قليل.. وأكد هذه الحكاية رودريجو ماركيز حين كتب مذكراته عن والده ومعاناته مع مرض ألزهايمر.
وكان المشهد قاسيا ومؤلما حين يصبح الإنسان عاجزا حتى عن أن يعرف أولاده.. وبالتأكيد هو أكثر قسوة من ألا تتذكر مارجريت تاتشر أنها فى الماضى كانت المرأة الحديدية التى تحكم بريطانيا، أو ينسى رونالد ريجان يوم كان فى البيت الأبيض يحكم الولايات المتحدة وربما العالم كله بعد سقوط الاتحاد السوفيتى.. ولم يعد بوبى شارلتون يتذكر أنه كان أحد نجوم الإنجليز حين فازوا لأول وآخر مرة بكأس العالم لكرة القدم.
وليس المشاهير والنجوم وحدهم.. وإنما هناك آلاف البيوت التى بدأت تعيش مأساة أى إنسان ينسى أولاده وكل الذين أحبهم وعاش معهم ولهم، وبيتًا كان له، وحياةً لم يبق منها أى شىء.
حكايات أعادتها للأضواء مباراة ودية بين منتخبى إنجلترا وأستراليا لكرة القدم النسائية يوم الثلاثاء الماضى للتضامن مع ضحايا مرض ألزهايمر.. وارتدت ثلث اللاعبات فانلات دون أسماء إشارة لضحايا المرض الذين ينسون كل شىء، وأعدادهم التى باتت تتزايد يوما بعد يوم.. وفى الشوط الثانى، تم تبديل الفانلات فى إشارة جديدة لما يعانيه ضحايا ألزهايمر من ارتباك ونسيان وعجز عن تحديد الشخوص والأشياء والملامح والأسماء.
أقيمت المباراة التى لم تكن الأولى من نوعها برعاية الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم، وتم تخصيص دخلها لمصلحة جمعية ألزهايمر الدولية، بالإضافة للمال الذى سيأتى به مزاد يقام لبيع هذه الفانلات التى بلا أسماء.. ويرعى الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم مثل هذه المباريات والمبادرات من أجل ضحايا ألزهايمر فى أى مكان وليس فقط لاعبى كرة القدم الذين أصبحوا أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض حين يجرى بهم العمر.
وكانت أول إشارة ربطت بين ألزهايمر وكرة القدم هى الدراسة التى قامت بها جامعة جلاسجو فى 2019 وكشفت عن احتمالات كبيرة لإصابة لاعبى كرة القدم بألزهايمر فى شيخوختهم، خاصة الذين اعتادوا لعب الكرة بالرأس كثيرا.. ثم توالت دراسات كثيرة أكدت ما انتهت إليه دراسة جامعة جلاسجو.. ورغم ذلك لم تلتفت الكرة الإنجليزية فقط للاعبى الكرة القدامى الذين أدركهم المرض أو الحاليين المهددين بالإصابة به مستقبلا.
فألزهايمر مأساة إنسانية لا تعرف الفارق بين من لعب الكرة أو لم يلعبها.. بين الغنى أو الفقير.. من كانت حياته ناجحة ومستقرة أو كانت حافلة بالهزائم والإحباطات.. وعلى الرغم من أفلام سينمائية كثيرة تناولت هذا المرض وضحاياه، إلا أن الإنجليز لا يزالون مقتنعين بأن كرة القدم يمكن أن تقوم بدور أكبر من السينما للفت انتباه العالم لهذه المأساة الإنسانية.
فعلى الرغم من أن كل الأمراض مؤلمة، إلا أن ألزهايمر هو المرض الذى لا يكتفى المصاب به بالألم لكنه أيضا لا يعرف مما يشكو، ولا يعرف لمن يشكو معاناته وحيرته وخوفه وعذابه، لأنه لم يعرف شيئا أو أى أحد.
نقلا عن المصري اليوم