الأب رفيق جريش
حلّت منذ عدة أيام الذكرى العشرون لغزو العراق وسقوط عاصمتها بغداد على يد القوات الأمريكية والبريطانية وبعض الكتائب من الجيوش الغربية الحليفة لأمريكا.. هذه الحرب التى قامت على كذبة هى الكبرى فى هذا العصر، وهى امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وأسلحة كيميائية. وكلنا نتذكر مسرحية إدارة بوش الابن، والتى أدارها الچنرال كولن باول، وزير خارجية الولايات المتحدة فى ذلك الوقت فى الأمم المتحدة، وعرض صورًا مزيفة للأقمار الصناعية الأمريكية، زاعمًا أنها لأسلحة دمار شامل وأسلحة كيميائية. وقد رفضت معظم الدول هذا الزعم، ولم تعطِ للتحالف الذى قادته الولايات المتحدة تفويضًا قانونيًا من الأمم المتحدة ومجلس الأمن للهجوم على العراق، فذهب التحالف وحده.
أدى هذا الغزو إلى سقوط بغداد، بزعم إنهاء النظام الشمولى الديكتاتورى لصدام حسين وإقامة دولة ديمقراطية.. وبعد عشرين عامًا من هذا الغزو لم تتحقق الديمقراطية بل انقسم العراق على ذاته ما بين شيعى وسنى، ومدت إيران تواجدها فى العراق لتلعب دورًا سياسيًا ومسلحًا.. ومع غياب الدولة، احتل داعش أجزاء من الأرض العراقية، جعلها منصات هجوم على الدول الأخرى خاصة سوريا، وتم تهجير اليزيديين والأكراد، وشاهد العراق موجة هجرة كبرى للمسيحيين العراقيين زادت على مليون شخص تشتتوا فى كل دول العالم.. هذا وغيره تحت غطاء «الكذبة الكبرى».. وبعد كل ذلك، انسحبت القوات الغازية تاركة العراق لمصيره تحت وطأة الانقسامات، ناهيك عن البترول الذى نُهب من الغزاة والدواعش من الدولة التى تعد من كبرى الدول المنتجة للنفط (الدولة الخامسة على مستوى العالم).
الغريب فى الأمر أن الدولة التى تزعم أنها الأكثر ديمقراطية فى العالم، وهى الولايات المتحدة الأمريكية، لم تحاسب رئيسها بوش الابن على الضحايا من الشباب الأمريكى الذى قتل فى العراق أو الذين أصيبوا أو شوهوا، ولا أيضًا الضحايا من العراقيين، ولم تتم محاسبته سياسيًا على الأخطاء الفادحة والفاضحة التى ارتكبها ودفع ثمنها آلاف من الأبرياء ومليارات من الدولارات المفقودة فى حرب بنيت على أساس كذبة كبرى، هذه الديمقراطية لم تهتم بمحاسبة كولن باول وزير خارجية أمريكا، الذى كذب على العالم، والذى اعترف بعد ذلك بهذه الكذبة وندم عليها. هذه الديمقراطية عينها وآليتها الإعلامية لا تهتم بالأبرياء من المشردين والمصابين والمتألمين، ولكن تهتم بالفضائح المالية والجنسية لساستها.. عجبى.
غزو العراق هو درس قاسٍ للدول العربية التى تتجه حاليًا للالتفاف حول بعضها البعض، والتى ترسم سياستها المستقلة عن الدول الكبرى، وذلك يجب أن يتزامن مع العمل الشاق للشعوب العربية لكى تضمن قوتها وتقدمها وإرادتها.
نقلا عن المصري اليوم