هاني لبيب
رغم كل التحديات والأزمات التى مرت على المجتمع المصرى، لكنى مازلت مصمما على قدرته على صياغة أشكال مناسبة وملائمة للسعادة والفرح بأقل الإمكانيات الممكنة. وربما يظهر ذلك بشدة فى الأعياد والمناسبات الاجتماعية، وشهر رمضان نموذج دال على ذلك.
خبرتى الشخصية على مدار سنوات طويلة.. رسخت لدى قناعات حول بعض المفاهيم والمصطلحات التى نتداولها. ولذا أرفض تماما استخدام مفهوم «الآخر» الذى يكرس الإقصاء والاستبعاد والتهميش والتمييز والتنمر والتحرش بكافة أشكالها، كما يوحى بالفرقة لما يحمله واقع الآخر من معان ودلالات تهدف إلى الاختزال فى شكل معين موجه.. إما امرأة أو رجل، ومسيحى أو مسلم، وبالتعميم والتذويب.. عربى وليس مصريا أو عربى وليس فرعونيا، وبالاستبعاد.. بأنه على الأقلية أن تخضع للأغلبية.. إعمالا لتطبيق مبدأ الديمقراطية حتى لو كانت الأغلبية فاسدة.
ولذا، أفضل استخدام مفهوم «الطرف الثانى» على اعتبار أننا جميعنا بمثابة أطراف المصير والحياة المصيرية الواحدة. وفى السياق نفسه، أرفض مفهوم «شركاء الوطن» لأنه، فى حالة الاختلاف، يمكن فض هذه الشراكة. أما المصير الواحد فيعنى التحديات الواحدة التى لن تمر سوى بوحدتنا معا فى مجتمع واحد ووطن واحد للمصريين جميعا دون استثناء.
اكتشافنا لبعضنا البعض من خلال علاقة كل طرف بالطرف الثانى المختلف عنه يرتبط بشكل أساسى بمبدأ الاعتراف به، وهو المدخل الأساسى لفهمه، كما أننا نعرف أنفسنا ونكتشف حقيقتنا من خلال تعاملنا واتصالنا بالأطراف المختلفة. وهو ما يترتب عليه أن نصغى للطرف المختلف معنا لكى نفهمه قبل أن نصدر عليه أحكاما مسبقة بهدف التعلم منه، وليس احترامه فحسب. وهو ما يجعلنا نحتاج إلى الأطراف «المختلفين عنا» لاكتشاف أخطائنا، كما يحتاجون هم أيضا إلينا.. فانتقاد الآخرين لنا لا يقل أهمية عن انتقادنا لأنفسنا.
ولكل ما سبق، أصبحت عندى قناعة شخصية.. ترسخت على مر السنوات ومع خبرات التعامل فى الحياة بأن الإنسانية الحقيقية تتجسد فى المفهوم المسيحى «الله محبة» والمفهوم الإسلامى «الدين معاملة».. وهما مفهومان حاكمان فى المعاملات الإنسانية.
المفهوم المسيحى لـ «االله محبة» يعنى تقديم الحب للجميع دون أى استثناء، للأعداء قبل الموالين، وللمختلفين قبل الموالين والداعمين. كما أن المفهوم الإسلامى لـ «الدين معاملة» يعنى أن المعاملات الإنسانية هى معيار تحقيق القيم الدينية، وذلك ارتكازا على أن الخط الفاصل هو اختبار حسن المعاملة مع بعضنا البعض والاختيار بين الخير والشر.
«الله محبة» و«الدين معاملة» هما التطبيق العملى للعديد من القيم العليا التى يتضمنها الكتاب المقدس والقرآن الكريم. ومن هذه القيم: التسامح والصفح وافتراض حسن النية والستر والفرح والخير والسعادة وتقبل الواقع، والتواضع ورفض الخوف والحقد والحسد، ومواجهة الازدواجية بين ما نُبطنه وما نُظهره. وهو ما يسهم فى أن يتسق كل إنسان مع ذاته برضا مهما كانت المشكلات والصعوبات والتحديات والأزمات.
«الله محبة» و«الدين معاملة» هما جوهر الإنسانية الحقيقية، وما تتضمنه من حكمة وبصيرة ترسخ هذه الإنسانية.
نقطة ومن أول السطر..
كن أنت أو أنتِ كما تريدان أن تكونا، وكما تريداننى أن أراكما وأفهمكما وأتناقش معكما.
كل عيد قيامة وجميعنا بخير.. ورمضان كريم علينا جميعا.
نقلا عن المصري اليوم