محمود العلايلى
كان السيد عماد قد فتح صدره على اتساعه، كما ذكرت في مقالتى ثالث أيام رمضان، وقام بدعوة كل مَن قاموا بدعوتنا على الإفطار أو السحور على إفطار آخر جمعة في رمضان، وبالطبع لم تقتصر الدعوة على مَن دعونا أول أيام رمضان، ولكنها امتدت لتشمل كل مَن دعونا خلال الشهر وبعض مدعويهم الذين كان عماد يأتنس لحديث هذا أو مسامرة آخر، فكانت الجلسة تنتهى بالسلامات الحارة والقبلات- على غير عادته- متبوعة بدعوة آخر جمعة في رمضان.

وكما أسلفت، أننى دهشت من ترتيبات عماد التي قام بها وحده، إلا أن تلك الدهشة تحولت إلى أوهام عندما حولنى عماد إلى طرف منظم في تلك «العزومة» عند ظهور المشاكل، وأولها أن عماد لم يحسب بدقة مَن قام بدعوتهم اليوم بعد الآخر حتى يمكنه ترتيب عدد الحضور والترتيبات الخاصة بالعدد،.

ثانيًا أن هناك مَن دعاهم وهو ليس متأكدًا مما إن كانوا قد أكدوا الحضور أو أن موافقتهم على دعوته جاءت على سبيل المجاملة، وخاصة أن أغلبهم كانت أول مرة يلتقى بهم، وثالثًا، وهو الأهم.

أن عماد قد قام بإطلاق دعوته دون الرجوع إلى نتيجة الشهور العربية والإفرنجية، حيث إن آخر يوم جمعة في رمضان يوافق الجمعة الكبيرة في أسبوع الآلام، وهو ما لا يوافق المسيحيين الذين دعاهم سيادته لارتباطات دينية وأسرية، وهو ما لم يدركوه وقت قبول الدعوة أيضًا.

ولم يقتصر رد فعل عماد أمام تلك المشكلات المركبة على توريطى في حلها، ولكن بدأ يعاملنى وكأننى المسؤول عن حدوثها لأننى كنت أصطحبه حيث أذهب، وبالتالى حملته عبء أن يرد تلك الدعوات- من وجهة نظره- وعلى ذلك فإنه لزامًا علىَّ أن أحل موضوع عدد المدعوين غير المعروف.

بالإضافة إلى محاولة تغيير الموعد ليتناسب مع الجميع، أو الاعتذار عن الدعوة من أساسها لأشخاص لا أعرف بعضهم لأنهم من مدعوى عماد، الذي تلبّس دور الشخص الاجتماعى، وصار لزامًا علىَّ أن أحل تبعات لطفه وظرفه الذي بالغ في إظهاره طوال الشهر.

وأمام تلك الورطة، لم يكن أمامنا إلا أن نلجأ لتغيير الموعد، إما إلى ما بعد شم النسيم، أو إلى الأربعاء الذي يسبق خميس العهد، وهو ما اقتنع به عماد، وقام بالفعل في إجراء المكالمات وإرسال الرسائل مبلغًا المدعوين بالموعد الجديد، إلا أن المشكلة الكبيرة كانت في بعض هؤلاء الذين دعاهم رجل المجتمع بشكل عشوائى دون أن يحتفظ بأرقامهم للتواصل، فظلت مشكلة معرفة أعدادهم، والأهم الاعتذار لهم.

ومع تأزم الموقف، لم أستطع أن أخفى سعادتى بورطته التي وضع نفسه فيها دون حساب إلا الثقة المُبالَغ فيها بنفسه وبقدراته المحدودة في ترتيب عزومة رمضان، فما حدث يوم الأربعاء الماضى كان جديرًا بإنهاء علاقتنا تمامًا لأننى لم أكف عن الابتسام في وجهه كلما أتانى يشكو من الوضع أو من تصرفات المدعوين، فالناس بدأوا يتوافدون قبل موعد الإفطار بدقائق، واستمر التوافد بعد أذان المغرب.

وبالطبع كان كل من المدعوين يحمل معه صنفًا من الحلويات التي لم يعد يشترط أن تكون شرقية، وثانيًا أن عددًا كبيرًا من العدد الكبير المدعو لم يظهروا ولم يعتذروا، وكان كلما نظر إلىَّ شاكيًا منتظرًا تعاطفى، أرد عليه بجملته التي كسر بها رأسى: «ده رمضان يا جماعة»، وبين الكم المهول من الأكل الذي تراكم، بالإضافة إلى أطنان الحلويات التي لم يمسها أحد، تركت عماد آخر الليل ينتظر مصيرًا آخر مع هؤلاء الذين دعاهم ولم يتواصل معهم، لعل بعضهم أو كلهم يأتون يوم الجمعة لتكتمل مغامرته غير المحسوبة، في عمل كان يظنه تافهًا، إلا أنه شأن لو يعلمون عظيم، وهو «عزومة رمضان».
نقلا عن المصرى اليوم