القمص أنجيلوس جرجس
يحتفل الأقباط غداً بعيد القيامة، وهو يعتبر عيد الحياة الجديدة وعيد الخلود إذ هزم السيد المسيح الموت. ويأتي هذا العيد في موسم الربيع حيث يتغير وجه الحقول فتخرج الزهور معطية إحساس بالحياة الجديدة وهو ما جعل المسيحيون المصريون يحتفلون في ثاني أيام عيد القيامة بعيد شم النسيم المصري. وهو من الكلمة القبطي "شوم إن نسيم" التي تعني "بساتين الحقول".
يحتفل الأقباط غداً بعيد القيامة، وهو يعتبر عيد الحياة الجديدة وعيد الخلود إذ هزم السيد المسيح الموت. ويأتي هذا العيد في موسم الربيع حيث يتغير وجه الحقول فتخرج الزهور معطية إحساس بالحياة الجديدة وهو ما جعل المسيحيون المصريون يحتفلون في ثاني أيام عيد القيامة بعيد شم النسيم المصري. وهو من الكلمة القبطي "شوم إن نسيم" التي تعني "بساتين الحقول".
وهو عيد يحتفل له المصريون منذ أكثر من خمسة آلاف عام ويعتبروه إنه عيد إعادة الخلق أو بعث الحياة من جديد. ومن عادات المصريون مزج الفكر بالتقاليد الحياتية فيكون صورة العيد مرتبطة بالخروج إلى الحدائق وأكل البيض الذي يرمز إلى بداية الخلق، وكل ما هو أخضر علامة الحياة، أو السمك المملح الذي يعني الاحتفاظ بالحياة. ويقول هيرودوت: "إن المصريين سبقوا العالم في الاحتفال بالأعياد ومنهم أخذ اليونانيين فكرة الأعياد الشعبية".
إن كان عيد شم النسيم لا يحمل طابعاً مسيحياً ولكنه عيد مصري قديم يحتفل به كل المصريون مسلمون وأقباط، ولكنه أيضاً يحمل فكرة الخلود. وإن كان من يأكل السمك المملح والبيض والبصل والخس والملانة لا يفكر في موضوع الخلود، ولكن تسود مصر حالة من الفرح بالأعياد.
وعيد القيامة هو الأسم الحقيقي للعيد وليس المسميات الأخرى التي صارت منتشرة في الفترة الأخيرة ويقولون فيها عيد الفصح أو الإيستر. فالفصح هو عيد يهودي من الكلمة العبرية "بسخة" وتعني العبور. ويقول سفر الخروج: "قال موسى للشعب هذا اليوم الذي خرجتم من مصر من بيت العبودية... تخبر ابنك في ذلك اليوم قائلاً من أجل ما صنع الرب تحفظ هذه الفريضة من سنة إلى سنة".
وكان لهذا العيد طقوساً هامة في ليلة العيد تسمى "ليل هسيدر" أي الليلة المقررة، فكل عائلة تشتري الخروف ويذبح في الرابع عشر من نيسان ويكون هذا في فصل الربيع ويؤكل كله في تلك الليلة بطقوس معينة. وحتى اليوم يحاول اليهود أن يذبحوا الخرفان داخل الحرم في المسجد الأقصى وتحدث صدامات عند باب المغاربة المؤدي إلى حائط البراق. بل في الأيام الماضية دعت جماعة متطرفة تسمى "أمناء جبل الهيكل" مكافأة قدرها ثلاثة آلاف دولار لمن ينجح في ذبح الخروف داخل المسجد الأقصى، و250 دولار لمن يدخل الأضحية دون ذبح.
وسبب اختلاط اسم العيد اليهودي مع عيد القيامة المسيحي هو إن السيد المسيح صُلب في ليلة الفصح، وكما أن خروف الفصح كان رمزاً لفداء الشعب اليهودي كان الصليب أيضاً في المسيحية. ولكن بعدما انتشرت الصهيونية المسيحية في القرن التاسع عشر في إنجلترا وأمريكا حاولوا نشر بعض المفاهيم التي تخدم المخطط اليهودي في العالم لتهيئة العقول لقبول فكرة المسيح الذي سيأتي ليحكم العالم من إسرائيل. ومن ضمنها فكرة عيد الفصح على إنه عيد يهودي مسيحي.
ولأن الإعلام الأمريكي يتحكم فيه الجماعات الماسونية فقد كان المخطط للديانة الموحدة هو تهيئة العقول لقبول دمج الديانات تحت قيادة واحدة وهي الماسونية فبدأت تروج لاسم جديد لعيد القيامة وهو "الإيستر" (Easter)، ونجد التهنئة في عيد القيامة قد انتشرت منذ سنوات وهي (Happy Easter). و(Easter) هو الآلهة عشتار الذي كانت تعبدها القبائل الوثنية التي كانت تسكن في أوروبا وأمريكا قديماً مثل الشعوب الأنجلوساكسون والهون والقوط وكان يُعيد لها أيضاً في الربيع أي في نفس وقت عيد القيامة.
وعشتار هي آلهة الحب والخصب أيضاً عند البابليين وعند الفينيقيين وتسمى (عشتارون)، وهي نفسها (إفرودوت) عند اليونان، و(فينوس) عند الرومان.
وقصتها الأسطورية مرتبطة بأسطورة جلجاميش السومرية التي انتشرت في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وهي تحكي عن شخص اسمه جلجاميش ثلثيه إله وثلثه بشر قُتل صديقه "أنكيدوا" فدفعه الحزن على صديقه بالقيام برحلة طويلة يطلب فيها الخلود من الآلهة. واستطاع أن يعود من الموت. فأعجبت به الإلهة عشتار وطلبت منه أن تتزوجه ولكنه كان يعرف أنها إلهة الخصب وتنتقل من عشيق لأخر فقال لها: "من من عشاقك أبقيتي على حبه؟". ورفض طلبها في الزواج منه. ولكن إله المراعي "تموز" أعجب بها وهي ترقص وتزوجته ولكنه قُتل، فأرادت أن تنقذه فنزلت إلى الجحيم وقدمت قرابين للشياطين كي تخرجه وتعيده للحياة. ولكن حين عادت وتقابلت معه لم يلتفت لها، فذهبت إلى الجحيم مرة أخرى وطلبت من الشياطين أن تأخذ نفس تموز. وعادت إلى الأرض في عيد الربيع لذلك كانت القبائل الوثنية تحتفل بها في عيد الربيع أيضاً.
وحين دخلت المسيحية إلى هذه القبائل أبقوا على بعض أفكارهم وتقاليدهم بعد مزجها بالمسيحية فصار عيد القيامة مرتبط بعيد إيستر أو عشتار. ومع الوقت انتهى هذا الارتباط. ولكن الماسونية أعادته مرة أخرى ونشروا في عيد القيامة التهنئة (Happy Easter). بل وأعادوا تقليد تلوين البيض باللون الأحمر وهو اللون الخاص بنجمة الصباح عشتار عند البابليين. وهذا مختلف عن عادات المصريين القدماء بتلوين البيض في شم النسيم أو عيد الربيع لأنهم كانوا يكتبوا على البيض أمانيهم ويلونها بألوان مختلفة حتى يعرفوا كل أمنية من لونها ويضعوها في سلال خضراء من سعف النخيل ويتركوها في شرفات المنازل وعلى الأشجار ثم يحتفلون بالأغاني وهم يحملون السلال ويهزونها بشدة والبيض الذي لا ينكسر تكون هذه الأمنية هي التي ستتحقق.
وعلى كل حال كل عام ومصر والعالم كله بخير، نصلي أن يسود العالم الفرح والسلام والخير عوض الحروب والدمار والجوع، ليقبل اللـه صلوات الجميع آمين.