ياسر أيوب
يسهل جدًا التعامل مع ما جرى منذ أيام فى جامعة فلوريدا باعتباره خبرًا يصلح للتسلية أو حدوتة غريبة وجديدة تدعو للابتسام.. ففى تجربة علمية لهذه الجامعة.. أقيمت أول مباراة من نوعها بين بطلة تنس الطاولة الأمريكية أماندا ستودنيكى وروبوت.. لكن الحكاية تبقى أهم كثيرًا من أى ابتسامات أو تسلية.. فأماندا لعبت هذه المباراة، وفى رأسها مائة كابل لمراقبة نشاط مخ أماندا أثناء هذه المواجهة.. وكانت للتجربة نتيجتان.. الأولى مباشرة وهى أن مخ الإنسان يبذل طاقة أكبر حين يواجه الروبوت وليس إنسانًا مثله.. لأن الإنسان فى الملاعب يسهل عليه توقع حركات وقرارات الإنسان المنافس له.. لكنه يعجز عن توقع ما سيقوم به الروبوت.. وهو ما يعنى أن تدريبات المستقبل القريب، خاصة فى الألعاب الفردية، ستشهد مواجهات للاعبين أمام روبوتات لاكتساب خبرة أكبر وردود فعل أسرع.
أما الثانية وهى النتيجة الأهم فهى بدء تكنولوجى جديد سيشهد التحكم فى سلوك اللاعبين وقراراتهم وقراءة أفكار المنافسين فى نفس الوقت وبحث أفضل السبل للتغلب عليهم.. بل إن الدكتور دانيال فيريس، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية، وأحد مشرفى هذه التجرية الجديدة فى فلوريدا قال إن البحوث والتجارب ستبدأ قريبًا على جماهير المدرجات ومحاولة التأثير والتحكم فى السلوك الجمعى.. ومنذ سنوات قليلة كان من الممكن التعامل مع هذا التصريح كما لو كان من أفلام الخيال العلمى التى لا علاقة لها بالواقع.. لكن العلم الآن يتطور وتتغير حقائقه أسرع مما قد يتخيل أو يتوقع أى أحد.. وبعيدا عن تلك التجربة.. هناك كتاب رائع ومهم للغاية للدكتورة الأمريكية الإيرانية الأصل نيتا فرحانى، أستاذة العلوم الحيوية بجامعة ديوك.
وفى هذا الكتاب الذى أثار ولا يزال الكثير من الصخب فى الأوساط العلمية والاجتماعية، واختارت له صاحبته عنوان المعركة من أجل عقلك.. أكدت نيتا أننا اقتربنا جدًا من تدخل التكنولوجيا للتأثير فى قرارات الناس وأفكارهم وأحكامهم دون أن يشعروا أو ينتبهوا لذلك.. وأن الإنسان قريبا جدا سيفقد أى خصوصية وسيسهل التحكم فيه وفى مشاعره وانفعالاته.. ولهذا طالبت نيتا فرحانى، فى كتابها، بضرورة تدخل الحكومات للحد من هذا التوغل الإلكترونى داخل عقول الناس حتى لا تبقى حرية البشر حرية زائفة، لأنهم سيكونون أسرى لعدد قليل من الشركات والعلماء والأجهزة تدير حياتهم.. وما يعنينا من كتاب الدكتورة نيتا ومن تجربة جامعة فلوريدا وبحوث ودراسات مماثلة أخرى ومهمة أيضا هو أننا اقتربنا كثيرًا وجدًا من عالم جديد ستتغير فيه كل الحسابات والدوافع ومشاعر إنسانية لن تبقى طويلًا ملكًا لأصحابها.. وهو ما سيحدث بالتأكيد فى الرياضة أيضًا.. وستختلف تمامًا قواعد حسابات اللاعبين وإعدادهم وقيادتهم للفوز فى أى لعبة.. ولن تبقى الموهبة الرياضية للإنسان الفرد هى العامل الأساسى والأهم فى صناعة أى بطل.. وبالتالى ستختلف قواعد المنافسة بين من يملكون العلم ومن لا يزالون يتخيلون الرياضة مجرد نشاط إنسانى يعتمد على الموهبة والسرعة والقوة.
نقلا عن المصرى اليوم