الأنبا موسى
كل سنة وجميعكم بخير بمناسبة الأعياد المباركة وما تحمله من أفراح، فنفرح بالقيامة وما تحمله من معان سامية ترفع من قيمة الإنسان، وما أعده الله له من فرح ومتع روحية فى العالم الآخر.
أولًا- القيامة رجوع إلى الأصل:
حينما ناجى داوود نفسه قبل الموت، قال لها: «ارجعى يا نفسى إلى موضع راحتك، لأن الرب قد أحسن اليك» (مزمور7:116)، ولم يقل لها اذهبى!!.
وحينما تحدث سليمان الحكيم عن الموت قال: «فيرجع التراب إلى الأرض كما كان، وترجع الروح إلى الله الذى أعطاها» (جامعة 7:12).
لذلك فالإنسان المؤمن، يتطلع دائمًا، وفى شوق، إلى الملكوت المعدّ له منذ تأسيس العالم. ولهذا يقول الأب الكاهن فى كل قداس: «ارفعوا قلوبكم» فنرد قائلين: «هى عند الرب»!!، فالمؤمن يفكر فى السماويات، ويقول مع بولس الرسول: «فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِىَ فِى السَّمَاوَاتِ» (فيلبى 20:3) لذلك يقول الكتاب عنه: الصديق واثق عند موته (أمثال 32:14)، واثق أنه سيقيمنا من الأموات بجسد نورانى.
- فلنحيا السموات بفكرنا...
- ونحيا السموات بقلوبنا...
- ونحيا السموات بتسابيحنا...
- إلى أن نحياها فعلًا هناك!!
ثانيًا- الإنسان مخلوق مختلف:
- حينما خلق الله الحيوانات خلقها من تراب، وأعطاها نفسًا حية، أى أن الحيوان = جسد + نفس.
- وحينما خلق الله آدم، خلقه أيضًا من تراب، إذ يقول سفر التكوين: «جَبَلَ (أى خلق) الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ» (تكوين 7:2). لكنه يقول: «َنَفَخَ فِى أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً» (تكوين 7:2). هذه النفخة الإلهية لم تعط للحيوانات، فهى «روح عاقلة» من عند الله، جعلت آدم خالدًا كخلود الله، لأن فيه هذه النسمة أو النفخة الإلهية.
- وبهذا يتشابه الإنسان مع الحيوان فى: الجسد + النفس فقط، ويُضاف إليه مع نفخة القدير: العقل + الروح (الروح العاقلة).
لذلك يقول الكتاب المقدس: «خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ» (تكوين 27:1)، فما معنى هذا؟
1- معناه أن الله روح، والإنسان كائن روحانى، يفكر فى الأبدية والخلود، ويريد أن يتجاوز الموت.
2- ومعناه أن الله هو «اللوغوس» أى الحكمة اللانهائية، والإنسان أيضًا كائن عاقل، ويجب أن يحيا بالحكمة.
3- ومعناه أن الله حرّ، ليس لأحد سلطان عليه، والإنسان أيضًا خلقه الله حرًّا فى اختيار مصيره الأبدى، وحرًّا فى قرارات كثيرة، فالله يريد مخلوقات عاقلة حرَّة، تختار بإرادتها أن تحيا مع الله، أو أن ترفض الله!، وعلى الإنسان أن يختار، ويتحمل مسؤولية قراره، لهذا قال الله: «قَدْ جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ.. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لِتَحْيَا» (تثنية 19:30).
(وإن كان الإنسان مسيَّرًا فى بعض الأمور الزمنية مثل: الجنس واللون والملامح وربما المستوى الاجتماعى، ومستوى الذكاء.. وهذه كلها يمكن تطويرها للأفضل باستمرار).
4- ومعناه أن الله هو المتسلط على الكون كله، والإنسان أيضًا أعطاه الله سلطانًا على الكائنات الأخرى حين قال: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ. وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ...» (تكوين28:1).
5- وكما أن الله «قدوس» قداسة لا نهائية، فقد أعطى الإنسان قبسًا من بره وقداسته، فكان آدم وحواء فى جنة عدن، فى قداسة وشركة مع الله، يتمتعان بصحبته المستمرة (وذلك قبل السقوط طبعًا).
6- أيضًا الله أبدى، وخالد... والإنسان أيضًا جعلته الروح العاقلة التى فيه كائنًا يحيا الأبدية، وخالدًا، أى له حياة أبدية، ولا تنتهى حياته بالموت الجسدى مثل الحيوان لأن: نفس الحيوان فى دمه (لاويين 14:17)، أما الإنسان فله حياة أبدية، هو يختارها فى حياته بقراره الحرّ، ليقضيها مع الله إلى الأبد فى ملكوت السموات، أو فى المكان الآخر بعيدًا عن الله، وفى عذاب أبدى!!.
ثانياً- القيامة'>أمجاد القيامة:
ونستطيع أن نحصى - على الأقل - أربعة أمجاد سنأخذها بالعيان فى الأبدية السعيدة، وهذه الأمجاد هى:
1- مجد القداسة:
فالكل قديسون، فى حضرة القدوس، وفى عالم القداسة الكاملة، لهذا رأى معلمنا يوحنا الحبيب- فى رؤياه- المفديين فى «ثياب بيض» (رؤ 9:7). علامة الطهر والنقاوة، فهيهات أن تطاول الخطيئة الأجساد النورانية، والأرواح المكملة، وسكان السماء!.
2- مجد السعادة:
إذ سيسمع كل مؤمن يصل إلى مشارف العالم الآخر، كلمات الرب: «نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا على القليل، فأقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك» (متى23:25).
3- مجد الشركة:
فنحن الآن فى محفل أبرار مكملين، إذ هناك نلتقى بالملائكة والقديسين، وعلى رأس الكل، أم النور، سيدة الطهر والنقاء، وكل من ساروا على دربها من القديسين والرسل الذين ازدروا بالأرض ليمتلكوا السماء.
4- مجد الخلود:
فالحياة هناك ليس لها نهاية.. إنها الخروج من الزمن، والدخول إلى الأبدية واللامحدود. هناك نتحد بالله فى خلود مقيم، تحقيقًا لوعده الصادق والأمين: «إنى أنا حى، فأنتم ستحيون» (يوحنا 19:14)، «من آمن بى، ولو مات، فسيحيا» (يوحنا 25:11).
■ ■ ■
وهكذا تمتد فرحتنا بعيد القيامة المجيد، من فرحة يوم بذاته.. إلى فرحة عمر شامل.. إلى فرحة أبدية سعيدة.
* الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم