أمينة خيري
هذا الطفل يختلف عن ذاك. البيئة الحاضنة للأول تدفعه دفعا نحو العقل والمنطق ونبذ عبودية الفكر واحترام الحرية واعتناق المنطق واحترام القانون، عكس الطفل الثانى الذى يولد فى أجواء زاعقة قوامها الصراخ بهدف الإجبار لا الفهم، والقائمة على الترهيب لا الاقتناع، واستلاب الحق فى التفكير والمشاركة فى اتخاذ القرار وتحويله إلى مجرد عدد لا أكثر وربما أقل. من الظلم أن نطلب أو نتوقع من الطفل الثانى أن يصبح فجأة مثل الأول. رغم أهمية المزارات والرحلات فى البلاد التى تزورها، مهم أيضا أن ترصد وتلاحظ الفروق فى التربية والتعامل والتنشئة والمعاملات. فى أثناء انتظار اخضرار إشارة المرور فى أحد شوارع لندن، تسأل الأم طفلها الذى لم يتعد الأربع سنوات: هل تفضل أن نمشى للبيت أم نركب الباص؟ يفكر الصغير برهة قبل أن يسألها: هل يمكن أن أمشى نصف المسافة، وتحملينى النصف الآخر؟ ضحكت الأم وقالت له: اتفقنا. لم تجرجره الأم من قفاه رغما عنه لتدسه فى الباص، أو تجبره على المشى وهو مرهق وغير قادر. شاركته بطريقة بسيطة ولطيفة فى اتخاذ القرار. وحين عبر أحد المارة الشارع ركضا قبل أن تخضر الإشارة، سألها الصغير: لماذا عبر الطريق بينما «الرجل أحمر»؟ قالت: لأن أحدا لم يخبره أنه يعرض بذلك نفسه والآخرين للخطر، وأنه لا يحترم القانون.
احترم الصغير القانون ووقف منتظرا أن تخضر الإشارة حتى حين بدا الشارع خاليا من السيارات. وحين سأل والدته عمن خرق القانون، لم تلعن سلسفيل الخارق، بل أخبرته أنه جاهل بالقانون، وكذلك بمواطن الخطر. المناقشة الدائرة بين مجموعة النساء والرجال فى مقهى صغير دارت حول قائمة المخططات التى وردت الحى بغرض التنفيذ والتى يجب إشهارها أمام السكان قبل الموافقة عليها من الحى، وذلك لإعطاء الفرصة لمن يود أن يعترض على أى منها، شرط إبداء أسباب منطقية لدراستها. قائمة هذا الشهر تحوى: تحويل مجموعة بيوت فى شارع كذا إلى شقق سكنية منفصلة، ما يعنى زيادة عدد السيارات الناتجة عن زيادة عدد السكان، تعديل واجهة المكتبة العامة وطلاءها باللونين الأبيض والرمادى بدلا من الأصفر والبيج، السماح لمطعم كذا بوضع أربع طاولات و16 مقعدا على ثلث الرصيف من الثامنة صباحا إلى السابعة مساءً.
أما رئيس الوزراء ريشى سوناك، فقد ألغى قرارا سابقا بإنشاء 14 طريقا سريعا ذكيا بسبب مخاوف تتعلق بسلامتها وكلفتها المرتفعة مقارنة بالقديمة، وقال إن السائقين هم من يستخدمون هذه الطرق وسلامتهم أولوية وشعورهم بالثقة أثناء استخدامها غايتنا. محلات السوبر ماركت تخصص ممرا لمنتجات رمضان وعيد الفطر مع زينة بسيطة بدون أن تستنفر عروق المنتمين لأديان أخرى أو تهيمن عليهم مخاوف ضياع دينهم وتبدد تدينهم. نقول كمان، أم يكفى ما سبق؟ هل يعقل أن نطالب الطفل الثانى بأن يتصرف كالأول؟!.
نقلا عن المصرى اليوم