ياسر أيوب
بيتزا المارجريتا والنابوليتانا وبركان فيزوف والليمونادة والأرانشى وتماثيل تراكوتا وشاطىء البحر والآيس كريم والذرة المشوية .. ليسوا فقط ما يميز نابولى كعاصمة للجنوب الإيطالى وواحدة من أقدم مدن أوروبا .. فهناك كرة القدم أيضا التى لم تكن تعنى الكثير لأهل نابولى قبل 1984 وأصبحت بعد ذلك رمزا لكبرياء المدينة وجنونها وغضبها من أهل الشمال الإيطالى الأقوياء والأثرياء .. فطيلة السنين الكثيرة الماضية كان أهل ميلانو وشمال إيطاليا يرون الناس فى نابولى والجنوب مجرد كسالى لا ينجحون فى شىء وتنفق عليهم ميلانو بتجارتها وصادراتها ونجاحاتها فى مختلف المجالات .. 
 
وفى المقابل كانت مرارة أهل نابولى والجنوب وصقلية الذين لا يلقون نفس اهتمام روما وحكومتها بأهل ومدن الشمال .. وهكذا تابع إيطاليون كثيرون وغيرهم خارج إيطاليا مباراة أول أمس فى دورى أبطال أوروبا بين نابولى وميلان التى لم تكن مجرد مباراة لكرة القدم .. إنما هو الصراع التاريخى والاجتماعى الدائم بين الشمال والجنوب .. وحين تعاقد نادى نابولى مع النجم الراحل الكبير مارادونا فى 1984 .. وكان وقتها هو اللاعب الأشهر والأهم فى العالم كله .. لم يصدق أهل نابولى فى البداية أن مارادونا سيوافق على اللعب لنادى إيطالى مغمور لم يسبق له منذ تأسيسه فى 1926 إلا الفوز بكأس إيطاليا مرتين فقط ولم يفز مطلقا بدورى إيطاليا .. وحين اكتشفوا أن ثمن شراء مارادونا من برشلونة يزيد عن العشرة ملايين دولار .. قرر أهل نابولى مساعدة ناديهم وتقديم التبرعات حتى يلعب مارادونا فى نابولى .. واستقبلت نابولى وأهلها مارادونا بشكل خرافى لم يشهده حتى الآن أى لاعب كرة فى التاريخ حتى الذين عادوا إلى بلادهم فائزين بكأس العالم .. 
 
وقدم المخرج الإنجليزى مشاهد حقيقية لهذا الاستقبال فى فيلمه التسجيلى المهم عن مارادونا .. ولم يخذل مارادونا أهل نابولى وفاز لهم بالدورى الإيطالى والكأس أيضا .. 
 
والأهم من ذلك كان ما تعلمته نابولى من ومع مارادونا .. تعلموا أن الانتصار فى ملاعب الكرة بمثابة المحافظة على الكبرياء واسترداد كثير من الحقوق الضائعة .. ولم تعد نابولى مع مارادونا تخجل من معايرة الشمال لها بفقرها بعدما أصبحت تواجه أندية الشمال وتنتصر عليها أيضا .. ولهذا لم يكن غريبا أن تقرر نابولى إطلاق اسم مارادونا على استادها الرئيسى الذى أصبح يحمل اسم استاد دييجو أرماندو مارادونا .. فأهل نابولى لا تزال تحكمهم مشاعرهم أكثر من المال أو القوة .. 
 
وبينما أصبحت ميلانو مدينة أوروبية بكل قواعد وحسابات وملامح أوروبا .. لا تزال نابولى مدينة إيطالية فيها روح إيطاليا وعفويتها وجنونها وعشقها للحياة والغناء والحب .. ولهذا لم يكن غريبا أيضا أن يتجمع أهل نابولى حول فندق إقامة فريق ميلان فى مدينتهم ليلة المباراة رغم أن ذلك ليس سلوكا كرويا شائعا .. وأخيرا لم يكن غريبا أيضا أن يفوز ميلان ويخرج نابولى من البطولة .. فمن الطبيعى أن تنحاز كرة القدم للأقوياء وليس العشاق ومن يملكون التاريخ والمال وليس من لا يملكون إلا قلوبهم
 
نقلا عن المصرى اليوم