مدحت بشاي
مع متابعة معظم ما كتب حول دراما «رسالة الإمام»، أرى أن غالبيتها لم تضف لقراءة العمل ما يهم القارئ، وقد يعود ذلك لروعة العمل ذاته واكتمال عناصره الإبداعية وأهمية ما يُطرح حول سيرة الإمام الشافعى، ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة وصاحب المذهب الشافعى فى الفقه الإسلامى، على مدار خمسين عاما مع نهاية القرن الثانى وبداية القرن الثالث الهجرى، فى وقتٍ كانت تشهد فيه مصر صراعات على السلطة.
ومحاولات انفصالية، وتشتتا مذهبيا، وضغوطا اقتصادية ثقيلة، إذ يصل إليها الإمام الشافعى، ليسهم تواجده وشخصيته وعلمه فى تخطى مصر تلك العقبات.
و«رسالة الإمام»، بطولة الفنان خالد النبوى، أروى جودة، نضال الشافعى، خالد أنور، وليد فواز، جيهان خليل، حمزة العيلى، أحمد الرافعى، وسلمى أبوضيف، وكوكبة من نجوم الوطن العربى، أبرزهم السوريون خالد القيش وهافال حمدى وأيمن طُعمة، والأردنية فرح بسيسو وآخرون، يتم الإعلان عن أسمائهم عبر الحلقات تباعًا، والعمل سيناريو وحوار ورشة كتابة تحت إشراف المؤلف المبدع الرائع محمد هشام عبية، وإخراج السورى ليث حجو.
كانت دروس الإمام الشافعى ترتكزُ على إعمال العقل، وتجمعُ بين الاجتهاد فى الرأى والأخذ بروايات أهل النقل ورواة الأحاديث، وعلى هذا أسسّ كتاب: الأم، فى الفقه، وكتاب: الرسالة، وهو كتابه الفقهى الأشهر.
كان الإمامُ الشافعِى جريئًا قويًا فى أحكامه الفقهية، فخالفَ أستاذه الإمام مالك فى الرأى للأحكام الشرعية، ولم يتقبلْ تلاميذ الإمام مالك الخلاف، عندما قال الشافعى: إن الإمامَ مالك بَشرٌ يُخطئ ويُصيبُ، فانتفضَ أحدُ المتعصبين واسمه فِتيان بن أبى سَمْحِ وقام بسبّه بكلمات بذيئة، عندما دخلَ فى مناظرة حول قضية العبد المرهون إذا أعتقه الراهن ولا ملك له غيره، وكان الشَافعى يقولُ: يُباعُ، بينما رأى فِتيان المُناظر له أنه لا يُباع.
إلا أننى كنت أتصور ضرورة الاقتراب من تفاعل البسطاء من أهالينا مع سيرة الإمام وكتابة الرسائل ووضعها فى ضريح الإمام الشافعى، علّها تكشف عن بعض الجوانب غير المنظورة فى الشخصية المصرية، وهى الظاهرة التى تناولها بالدراسة والتحليل عالم الاجتماع الراحل دكتور سيد عويس وضمّنها كتابه «هتاف الصامتين».
كنت أتصور أن تعالج دراما «رسالة الإمام» سيرته عبر زمن يرصد أعمال الإمام، باعتبارها رسالة يرسلها كرمز إصلاحى وتنويرى، والانتقال إلى الزمن الحالى ورسائل أصحاب الشكاوى والمظالم من الدنيا وعمايلها، لعل الإمام يشفع لهم عند الله ليستجيب لفحوى رسائلهم، لتوثيق حالة الارتباط الروحى بشخص الإمام، وأظن أن ما رصده الدكتور عويس من رسائل كان يمكن أن يسهم فى صناعة دراما بديعة لتنوعها واستعراضها لآلام وأمانى وأحلام الغلابة فى بلادى..
وقد نجح فى ذلك الشكل السردى المخرج الكبير «خالد يوسف» عبر معالجته لدراما «سره الباتع» فى كتابته لسيناريو المسلسل أن يتناول أحداثه عبر زمان مقاومة الشعب المصرى للوجود الاستعمارى، والنقل بحرفية درامية إلى زمن أحداث يناير ويونيو.
ومن بين رسائل البسطاء للإمام الشافعى.. كتبت سيدة من «الحميرات» فى محافظة قنا رسالة على ورقة عادية، ولم تذكر فيها تاريخًا، موجهة خطابها إلى الإمام الشافعى، جاء فيها ما يلى: «مقدمته لسيادتكم فلانة بنت فلان، بما أنى حرمة فقيرة الحال، ومسكينة وغلبانة، كسر بيتى، وأخذ منى البهايم والبرسيم وتخبله بأى داء فى جميع جسمه، أو تلقوه مكتول (مقتول) مرمى، وأنا ولية مسكينة وشاحتة منك ومن الله شكوتى وليك ولله».
سيدة أخرى من طنطا محافظة الغربية، ذكرت اسمها وكتبت رسالتها على ورقة عادية بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1956م، قالت فيها دون ذِكر البسملة والصلاة على النبى، موجهة خطابها إلى الإمام الشافعى: «سيدنا الإمام الشافعى، وبعد ذلك.. نشكو لله ولك فلانة بنت فلانة، ونطلب منك أن تسأل الله سبحانه وتعالى أن ينتقم من فلانة وزوجة ابنها فلانة وبنتها فلانة لأنهم دخلوا منزلى فى غيابى، وأخذوا الفرخة بتاعتى منى ظلمًا وعدوانًا».
ويذكر الكاتب «مكاوى سعيد» بجريدة «المصرى اليوم» أن محمود الجيار (سكرتير الرئيس عبدالناصر) كتب فى مذكراته: أن الرئيس عبدالناصر كلّفه بمتابعة الرسائل المُرسلة إلى ضريح الشافعى، وقد وجد رسالة من فلاح فقير يشكو من موت جاموسته الوحيدة، ويطلب 200 جنيه معونة من الإمام، وعندما علم الرئيس عبدالناصر طلب من الجيار أن يذهبَ إلى الفلاح ويعطيه 100 جنيه، ونفذ محمود الجيار الأمر، وبعد شهر وجد رسالة أخرى من الفلاح نفسه للإمام الشافعى، فأعطاها للرئيس عبدالناصر الذى قرأها ولم يتوقفْ عن الضحك.
ونأمل أن يكون المسلسل بداية لإنتاج مسلسلات تتناول سير رموز الإصلاح الدينى مثل «الإمام محمد عبده» و«البطريرك كيرلس الرابع أبو الإصلاح» و«متى المسكين» وغيرهم.
نقلا عن المصري اليوم