ياسر أيوب
من النتائج الكثيرة للدراسة العالمية والمهمة التى قامت بها منظمة اليونسكو منذ سنين؛ أن المصريين كانوا من أوائل شعوب العالم الذين عرفوا الأعياد واحتفلوا بها.. شعب أحب الحياة مهما صادفته أزمات أو هموم، ينتظر كل عيد لينسى أى شىء إلا أن يفرح ويحتفل.
وأثبتت دراسة اليونسكو أيضا أن الرياضة كانت وسيلتهم للاحتفال بكل عيد، منذ فيضان النيل الذى كان أول أعيادهم.. وهو ما يتطابق مع ما أثبته أستاذ التاريخ الهولندى يوهان هانشينخاه عن الرياضة التى كانت أول نشاط إنسانى على سطح الأرض بعد الصيد والبحث عن الطعام والهرب من الحيوانات أو مطاردتها، وأن الرياضة لم تكن اختراعًا عرفه الإنسان بمحض المصادفة، إنما هى سلوك مارسه الإنسان منذ بداياته على سطح الأرض.. فمن أجل البقاء على قيد الحياة، اضطر هذا الإنسان للجرى والقفز هربا من الحيوانات التى يمكنها افتراسه، أو يجرى وراء الحيوانات التى يريد اصطيادها ليأكلها.. وبعد قليل، لم يكن الجرى والقفز فقط هما الرياضة التى مارسها الانسان البدائى، وإنما بدأ يمارس أيضا المصارعة وكل ألعاب الدفاع عن النفس وعن الحياة فى مجتمعات أولى لم تكن قد عرفت بعد النظام أو اخترعت أى قانون.
وأن الرياضة أيضا كانت المدرسة الأولى التى تعلم فيها الإنسان ضرورة العدل وقيمة الوقت ووسائل العلاج ومعنى المنافسة وفرحة الانتصار وشكل الترفيه، بل إن الإنسان القديم لم يضحك إلا حين بدأ يلعب.. فكان من الطبيعى هذا التزامن التاريخى المصرى القديم بين العيد وفرحته واللعب ومتعته. وتتطابق نتائج دراسة اليونسكو أيضا مع البردية التى عثر عليها الرحّالة والمغامر البريطانى هنرى وستكار 1823 وانتقلت ملكيتها للعالم الألمانى كارل ريتشارد، وبعد وفاته احتفظ بها متحف برلين، وقادت هذه البردية علماء المصريات للتأكد من أن المصريين فى أعيادهم مارسوا التجديف والجمباز والجرى والهوكى والسباحة وبعض ألعاب الكرة، ومنها لعبة قريبة الشبه بكرة اليد كما يعرفها العالم حاليا.. إلى جانب إثبات أن المرأة المصرية كانت الأولى فى التاريخ التى تمارس الرياضة.
وإذا كان اليونانيون قد اخترعوا الرياضة بديلة للحرب حين عاد الملك إيفيتوس من إحدى حروبه وطلب النصيحة من كاهنة المعبد، فقالت له: «دع جنودك يلعبوا لتتوقف الحروب!».. وكانت نصيحة بدأت بها الألعاب الأوليمبية فى العصر القديم.. إن المصريين سبقوا اليونانيين فى اختراع الرياضة، لكن كوسيلة للفرحة والاحتفال بعيدا عن أى صراعات وحروب.
وأثبت بعض علماء التاريخ وأساتذته أن المصريين كانوا أول من أقام ونظّم دورات رياضية تضم ألعابا كثيرة قبل أن يبدأ اليونانيون دوراتهم الأوليمبية.. ففى النيل كانت أول مسابقة فى التاريخ للسباحة والتجديف، وعلى ضفافه كانت أولى مسابقات ألعاب كثيرة والتنافس على من هو الأقوى أو الأسرع.. وقد لا يكون المصريون الآن هم الأقوى والأسرع رياضيًا، لكنهم لا يزالون يحتفظون بقدرتهم على الاحتفال والفرحة التى يفتشون عنها فى كل عيد.. لا يزالون يحبون الحياة وتحبهم الحياة.
نقلا عن المصري اليوم