هاني لبيب
أصبح هناك يقين أننا نعيش عصرًا رقميًّا يرتكز على المعرفة والمعلومات، كما يعتمد على التقنيات الحديثة المتمثلة فى الذكاء الاصطناعى أكثر مما يعتمد على الإنسان.
ولذا يتبادر سؤال أساسى حول مدى امتلاكنا استراتيجية مصرية للبحث العلمى والفكرى لمواكبة هذا العصر الرقمى.
ينبثق عن السؤال السابق العديد من الأسئلة على غرار: مَن الذى يصنع تلك الرؤية الاستراتيجية؟، ومَن الذى يخطط للبحث العلمى؟، ومَن المنوط به ما سبق لكونه يمس الأمن القومى الفكرى والمعلوماتى؟.
وهى أسئلة تتشابك مع بعض الأفكار، وفى مقدمتها أن ما وصل إليه حال البحث العلمى هو نتاج تراكمى لمنظومة التعليم منذ ثورة يوليو 52 وإلى الآن سواء ما قبل الجامعى أو الجامعى. هذا النظام أسقط لدى التلاميذ والطلبة شغف البحث فى مقابل ترسيخ الحفظ والتلقين، وهو ما ينسحب أيضًا على الغالبية العظمى من المعلمين أو أساتذة الجامعة، الذين يحولهم نظام التعليم إلى موظفين ينشغلون طيلة العام بمهام إدارية أكثر منها علمية وبحثية مثل الإعداد للامتحانات والترم ونتيجة الامتحانات، ومنها مادية مثل الضعف الشديد للميزانيات المخصصة للبحث العلمى والتجارب فى مدارسنا وجامعاتنا، فضلًا عن افتقاد روح الفريق فى البحث العلمى، وهو ما من شأنه إذا توفر أن يحقق إنجازات علمية حقيقية.
يترتب على ذلك أيضًا بصراحة شديدة ومباشرة أننا ليست لدينا صناعة أفكار بدرجة من الوعى والإدراك لما يدور من حولنا من متغيرات محلية وعالمية.. تستحق سيناريوهات متعددة للتعامل معها حسب مفهوم تحقيق الأمن القومى المصرى.
ما يحدث عندنا ليس صناعة للأفكار بقدر ما هو إعادة صياغة للإسهامات الفكرية لغيرنا أو نقل فقرات كاملة منهم، وربما يكون النموذج الدال على ذلك هو كم الكتابات عن قضية العولمة وماهيتها دون تقديم أى إضافات جديدة، وما يصاحب ذلك من ترديد العديد من المصطلحات البراقة وترجمتها بصور بعيدة عن السياق العلمى لها فى مجتمعنا. والأسوأ هو الجدال حول رفضها وقبولها رغم عدم قراءة المصادر الأصلية لها أو الإلمام بنشأة هذه الفكرة أو ذلك المصطلح. وهو ما ينطبق أيضًا على مصطلحات: الديمقراطية وقبول الآخر والحوار والمجتمع المدنى والفوضى الخلاقة والسلام والتسامح.
دائمًا ما أتساءل: لماذا ليست لدينا صناعة عقول، للدرجة التى جعلت غيرنا يقوم بتشكيل عقول شبابنا، للدرجة التى جعلته يتشكك فى وطنه، ولا يرى فيه سوى كل ما هو سلبى بناء على الشائعات التى تم الترويج لها باحترافية شديدة، وهو ما جعل «العقل الشعبى» أو «العقل الجمعى» للمواطنين المصريين فى خطر؟!.
نقطة ومن أول السطر..
متى تسهم مصر فى إنتاج المعرفة فى مجتمع المعلومات العالمى؟.
ومتى يكون لدينا مؤتمر قومى يليق بطموحات مصر بعد ثورة 30 يونيو للبحث العلمى؟.
ومتى نستهدف الأمية الثقافية والمعلوماتية، التى يعانى منها الكثيرون من خريجى الجامعات قبل غيرهم؟.
نقلا عن المصري اليوم