بقلم: إبرام رأفت
في مدرسة ابتدائية خاصة يصنفها أهل بلدتي كأرقى مدرسة في المنطقة، عاصرت هذا الموقف:
«عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي، دخل علينا مدرس العلوم فجأة في غير حصته يطلب منا أن يقوم أي طالب يمتلك قلم إزالة الحبر (الكوريكتور) بإخراجه لأن طلبة الصف الخامس يحتاجونه، وسيقوم بإرجاع الأقلام بنفسه. بعض الطلبة قاموا بإخراج "الكوريكتور" الخاص بهم وبعضهم حجبه. وكطفل كثيراً ما سمعت في المدرسة وغيرها عن فضيلة مساعدة المحتاج، ترجمت وقتها أن إخراجي للـ"كوريكتور" الخاص بي وتسليمه للمدرس، لهو تطبيق عملي لهذه الفضيلة. وإذ به بعد أن جمع عدد من الأقلام، يكشف لنا خديعته ويقول أن "الكوريكتور" ممنوع في المدرسة ولن يتم إرجاع ما جمعه».
 
بغض النظر عن حنقي على المدرس وقتها، وإحساسي بمرارة الخديعة، إلا أني أدركت مؤخراً بعد أن أصبحت قادراً على تحليل الأمور أن ما يحدث في مدارسنا ويمر مرور الكرام ولا ينتبه له الكثيرون، إنما هو جرائم في حق الطفولة وعائق أساسي لتشكيل طفل سوي نفسياً. فموقف كالذي ذكرته - رغم بساطته - إلا إنه ربما زرع في فصل مدرسي بالكامل ازدواجية في المعايير وخوف من مساعدة المحتاج وإحساس داخلي غير مفهوم أن تلبية طلب من يحتاج للمساعدة سوف يؤدي بالشخص في النهاية إلى العقاب.
 
توالت الأيام وانتقلت من مدرسة خاصة إلى مدرسة حكومية، لأكتشف أن كل فنون السفالة والبلطجة والهوس الجنسي مصدرها المدارس الحكومية. وأدركت أن كل قهر يتعرض له المدرس من المجتمع يقوم بإخراجه في الطلبة المساكين. ففي مدرستي الإعدادية مثلاً، كان يوجد في فناء المدرسة جذع نخلة مقطوعة، وكان مدرس الألعاب يتلذذ بسماع صرخات التلاميذ عندما يجبرهم على حضن الجزع ليقوم بجلدهم مستخدماً قطعة من الجلد كنوع من العقاب. ولا أزال أتذكر مدرس اللغة العربية الذي كان لا يتجول في المدرسة الثانوية إلا ماسكاً «خرزانة» كالتي تستخدم لترويض الخيول مستمتعاً باستخدامها مع الطلبة. مما دفعني وقتها مع عدد من أصدقائي إلى تكوين رأي أنه من المستحيل أن يخرج شخص سليم نفسياً من المدارس المصرية، وتوقعنا أن كارثة ستحدث في المجتمع عندما يكبر هذا الجيل المشوه ويعمل في مجال التعليم.
 
وقد كان توقعنا صائباً، ففي الأيام القلية الماضية، امتلأت صفحات الجرائد والقنوات التلفزيونية بجرائم المدرسين في حق التلاميذ. سأذكر عناوين بعض هذه الأخبار فقط للتدليل:
· مُدِّرسة منتقبة بالأقصر تقص شعر تلميذتين لعدم ارتدائهما الحجاب.
· مُدِّرس عمره 47 عاماً يغتصب طفلة بالصف الأول الابتدائي بمدرسة بأدفو بأسوان.
· مُدِّرس لغة عربية بشبرا الخيمة يضرب تلميذ ويتسبب في إصابته بإصابات بالغة لإجباره على إعطائه درس خاص.
· مُدِّرسة منتقبة بالإسكندرية تقوم بقص شعر طفل عمره 4 سنوات بدعوى تشبهه بالفتيات مما أصابه ببكاء هستيري وتسبب له في حالة نفسية سيئة.
· مُدِّرسة مجال زراعي بمدرسة إعدادية تابعة لإدارة الزاوية الحمراء التعليمية تستخدم حصتها لتدريس الدين الإسلامي إجباراً لجميع التلاميذ بما فيهم التلاميذ المسيحيين.
· مزارع يقتل مُدِّرس بأسوان بعد أن قام الأخير بانتهاك ابنته جنسياً.
 
كل هذه الأخبار تدعنا نشعر بالقلق الشديد وندق ناقوس الخطر خوفاً من انحدار شديد وانهيار غير مسبوق في نفسية الطالب المصري، الأمر الذي سينعكس أثره أكثر على الجيل المقبل. ولكن الطامة الكبرى والتي تجعل ناقوس الخطر يكاد يتحطم من عنفوان دقاته هو آراء بعض القائمين حالياً بإدارة هذا البلد. فعن ضرب التلاميذ في المدارس قال المهندس سعد الحسيني، محافظ كفر الشيخ، أنه لا مانع من ضرب الأطفال بهدف التعليم والتربية وليس بهدف الانتقام، مؤكداً أن الضرب كان سبب تفوقه هو شخصياً. وفي نفس السياق أفصح الدكتور إبراهيم غنيم، وزير التربية والتعليم الحالي، في مؤتمر صحفي بديوان محافظة الغربية عن رأيه في نفس الموضوع إذ قال أن ضرب التلاميذ في المدارس ليس مشكلة، ولكن ينبغي ألا يكون مبرحاً.
 
ورداً على هذه الآراء، تقول الدكتورة هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن هذه التصريحات حول إباحة الضرب في المدارس بمثابة ردة للوراء، ولا تتناسب مع الأسس السلوكية والتربوية والعالمية لتنشئة طفل متوازن سلوكياً ونفسياً، وتزيد من العنف والفوضى والبلطجة في المجتمع. وأضافت أن الطفل في مرحلة النمو يحتاج لنوع من الثقة بالذات، وأن تعرضه لأي إيذاء نفسي وبدني يهدم تلك الثقة، مؤكدة أن الجرح المعنوي والنفسي على الأطفال في المدارس أكبر من الإيذاء البدني. وأوضحت أن تعامل الأستاذ مع الخطأ بالضرب يولد لدى الطفل قناعة أن طريقة التعامل بين البشر تبنى على الإهانة والعنف.
 
وأخيراً يبقى السؤال الهام: «أتضح بالملاحظة البسيطة أن التيار الموجود في السلطة الآن تزداد نسبة الأصوات التي يحصل عليها في الانتخابات كلما قل المستوى التعليمي والثقافي.. فهل نتوقع منه أن ينهض بالتعليم وبالتالي يقضي على شعبيته بنفسه؟!»