كفن أبيض يحمله شخص عليه ثأر ويقدمه لأهل الضحية، وسط جموع من أبناء قرى الصعيد والقيادات الأمنية، في مشهد متكرر نراه دائما بمشاهد الدراما والسينما، لحل قضايا الخصومة الثأرية، وما زال حتى الآن يتكرر في قرى الصعيد، ضمن عادات موروثة بسبب الثأر.

 
عادة ما يكون وراء هذا المشهد قاضي عرفي، يبذل قصارى جهده لحقن الدماء وإنهاء الخصومة الثأرية بين عائلتين، ولكن في مشهد غريب شهدت قرى ومحافظات الصعيد، حضورا مميزا وفريدا من نوعه لـ قاضية عرفية تعمل على حل النزاعات الثأرية، وهي صفاء عسران أول سيدة تحضر الجلسات العرفية لحل مشاكل الثأر في مصر.
 
صفاء عسران ابنة محافظة قنا، والبالغة من العمر 30 عامًا، خريجة كلية الآداب قسم الإعلام، والتي كرست حياتها من أجل القضاء على الثأر في مصر، وذلك من خلال تأسيسها مبادرة درع التسامح تحت شعار صعيد بلا ثأر، والتي تعد المؤسسة الوحيدة في مصر لحقن الدماء ونشر التسامح وجبر خاطر أهالي ضحايا الخصومات الثأرية والصلح بين العائلات.
 
روت صفاء عسران البالغة من العمر 30 عامًا، لـ القاهرة 24 قصتها في مجال القضاء العرفي، قائلة: ربنا قادني للطريق دا من غير ما أختاره.. في 2013 حضرت جلسة صلح في دشنا بمحافظة قنا، وكان حاضرها ما يقرب من 10 آلاف شخص بالإضافة للقيادات الأمنية وعمد ومشايخ القرى، وحينها استغرب جميع الحضور وجودي، لدرجة أنهم تركوا مشهد الكفن والصلح والتفتوا لوجودي، ولكن كنت أتحجج بأنني خريجة إعلام وأحضر من أجل إجراء التغطيات، ومن هنا كانت بداية انطلاقي في مجال القضاء العرفي.
 
 
وتابعت صفاء عسران: منذ ذلك الوقت وأنا متفرغة تمامًا لهذا المجال، وخاصة أن عددا من قرى ومحافظات الصعيد وخاصة محافظة قنا، تعتبر معقلا للثأر والخصومات الثأرية، فهناك الكثير من الأطفال الذين يفتقدون آبائهم والسيدات اللائي يفقدن أزواجهن بسبب تلك القضايا.
 
وأضافت: دا غير إن الثأر يعتبر ثقافة موروثة من أجداد الأجداد ومتعارف عليها منذ مئات الأعوام، وخصوصا إن آلاف الناس في الصعيد بتقدم على الصلح ولكن يهابون المعايرات.
 
وأضافت صفاء: مبادرة درع التسامح.. صعيد بلا ثأر أنهت مئات من الخصومات الثأرية، وذلك من خلال الجلسات العرفية رجال المصالحات، ودا يرجع للهدف الأول وهو الحرص على حل النزاعات بين العائلات، والبداية كانت من الصعيد ثم انطلقت المبادرة بجميع قرى ومحافظات مصر ووصلت بيها حتى الفيوم والمرج، مضيفة: المبادرة ليس هدفها حل الخصومة الثأرية فقط بل استبدال الكفن بدرع التسامح.
 
واستكملت صفاء عسران: تمكنت من تغيير نظرة المجتمع للمرأة المصرية، وخصوصًا في مجال المجالس العرفية وحل الخصومات، وذلك بعد طرح فكرة درع التسامح كبديل للكفن في جلسات الصلح، ودا حصل بالفعل في أكبر خصومة ثأرية في تاريخ مصر واللي كان مقتول فيها 16 شخص، وفي القضية دي مكنش ينفع يتم تقديم كفن، لذلك تم استبداله بالدرع.
 
وأردفت صفاء، بأنها دائمًا ما تشعر بالفخر عند حضورها مثل هذه الجلسات، قائلةً: إحساس جميل وشعور لا يوصف إن ربنا يزرع فيكي القبول والناس تقبلك، ويكون عندك ملكة وقف الدماء والصلح بين عيلتين، وبالرغم من دا هناك الكثير من الصعوبات التي تواجهني بشكل خاص، وتواجه رجال المصالحات عمومًا.
 
وروت صفاء قصة إحدى القضايا التي عملت على حلها، قائلة: في جلسات عرفية بتستمر معانا لمدة سنين طويلة، وملفات مفتوحة منذ 4 سنوات، وفي قصة كانت من محافظة المنيا، والمسافة كانت 7 ساعات سفر، وكان في جلسة عرفية وروحت لـ ولي الدم أكثر من مرة، وفي اليوم اللي تم فيه توقيع محاضر الصلح وإيصالات الأمانة، تأخرت لحد الساعة الـ 2 صباحًا، وعند فض القضية لم يتم أي نزاع من كلا الطرفين وخاصة أن القاضي سيدة، واستغرقت تلك القضية حوالي 4 أيام ذهابا وعودة من قنا لـ المنيا لتخليص إجراءات الصلح بمديرية الأمن.
 
وأوضحت: بعض الصفات التي يجب أن يتحلى بها القاضي العرفي، ومنها التحلي بالصبر والمصداقية وحب الناس وأداء هذا العمل دون مقابل، وهدفة الأول والأخير فعل الخير، وخاصة أن هذا العمل يستغرق الكثير من الوقت ويحتاج بذل مجهود كبير.
 
وواصلت صفاء: من أغرب المواقف اللي عدت عليا، إنه كان في أب مسن عمره يقارب 100 سنة من محافظة الأقصر، ابنه توفي في خصومة ثأرية، ويوم الصلح تعب عندما تذكر ابنه، وطلب عودته للمنزل، ولما الصلح خلص أصريت على زيارته ووقتها أخبرته بزيارة بيت الله وقيامه بأداء عمرة، وبعد أسبوع اتصلت بابنه لأخبره بتقديم رحلة عمرة لوالده، ولكن القدر كان له رأي تاني وتوفي هذا المسن، ولكن ذهب ابنه منذ 15 يوما ليؤدي له مناسك العمرة.