د. أمير فهمى زخارى المنيا
"مقاومة الحفاء" قصة مشروع قومى بدأ مع عيد ميلاد الملك فاروق..
مشروع " زنوبة لكل مواطن " ومكافحة الحفاء بالعصر الملكي


ففي 9 أغسطس عام 2007 كتب المؤرخ الراحل د. يونان لبيب رزق دراسة ممتازة فى الأهرام بعنوان "مقاومة الحفاء فى مصر".. قال فيها إن المصريين قبل 1952 كانوا "شعبا من الحفاه" !!.. وأن الفلاح المصري لم يعرف إرتداء الحذاء، إلا عندما كان يتم تجنيده فى الجيش المصري !!.

حيث أنه لم يكن ممكنا أن يخوض الجيش حروبه بجنود من الحفاة.. وأنه بعد إنتهاء تجنيده، كان الجندي يسلم "الجزمة الميري" باعتبارها عهدة.. ثم يعود حافيا إلى قريته مثلما جاء منها حافيا !!..  

لكن الميسورين من أهالي الريف (مثل العمد والمشايخ) فقد كانوا يرتدون "البلغة".. وكان الفلاحون يذهبون إلى حقولهم شبه عراة.. وكان سكان المدن يسترون أجسادهم بالكاد بملابس مهلهلة..

وعندما أصبح حسين سرى باشا رئيسا للوزراء، فقد تبنى مشروعا قوميا لمقاومة الحفاء.. وتعهد فى خطاب العرش بأن يرتدى المصريون النعال فى أقدامهم مثل الدول المتقدمة !!.

وفى 2مارس 1941 أعلنت الأهرام عن تكوين لجنة مركزية برئاسة عبد الخالق بك حسونة، لوضع الخطط التفصيلية لشكل الحذاء المنتظر.. وأطلقوا عليه إسم "الزنوبة".. وتقرر أن يتم توزيع الدفعة الأولى من "الزنوبة" على تلاميذ وزارة المعارف فى يوم عيد جلوس الملك.. ولكن لم يتحقق أي شيء مما وعد به رئيس الوزراء حسين سرى باشا..

وظل الشعب المصري يمشى حافيا فى الشوارع !! وفى عام 1950 عندما تولى النحاس باشا رئاسة الوزراء، فقد أعلن هو أيضا فى خطاب العرش، عن مشروع قومي ضخم لمقاومة الحفاء !!. وقد علق على ذلك الدكتور محمد عوض بمقال ساخر فى جريدة الزمان بعنوان "ياابن الحافية" !!

ومن طريف ما ذكرته مجله المصور في عددها في ابريل 1941، ان أحد الفلاحين ذهب الي قصر عابدين لكي يقرا الفاتحة علي الملك الذي بدا له وكأنه أحد اولياء الله الصالحين بعدما منح قدمه فرصه اللقاء بحذاء لأول مره في حياته.

أحد مشايخ وكبار ابناء الريف المصري كان له راي في الموضوع اذ قال "المهم في التنفيذ مش في الكلام لأننا عندنا عاده وحشه وهي ان اللي يلبس له جزمه يقولوا عليه ده اغتني ولا بقاش فلاح! وعلشان كده ما تلاقيش فلاح يشتري جزمه جديده، انما لازم تكون ملبوسه – اي مستعمله – حتي ولو كانت “بُلغه"، والمهم كمان ان الحكومة تعاقب اللي يمشي حافي ما دام اخذ الجزمة، وساعتها الفلاح راح يعرف فايده الجزمة وتصبح عنده عاده، فأول ما تدوب يروح من نفسه يشتري غيرها!!”

المشروع راعي الفروق بين العمال والفلاحين، فقد كان الحذاء المكشوف – اي الشبشب- من نصيب الفلاحين، فيما حظي العمال بالحذاء شبه المكشوف اي الصندل.

والطريف ان بعض الفلاحين والحفاه كانوا يرفضون ارتداء الحذاء، ويفضلون السير عراه الاقدام، باعتبار ان الطين قد كوًن طبقه سميكة علي الجلد، هي عندهم افضل من الحذاء. اما من وافق منهم علي ارتداء الحذاء، فقد كان يضعه تحت ابطه في القرية خوفا عليه من التراب والاتساخ، ولا يضعه في قدمه الا حينما يضع اقدامه في شوارع القاهرة.

هذا المقال اهديه لمن يتباكى على عصر الملكية الى اليوم ... عرفتوا بقه أصل شتيمه "يا ابن الحافيه"... سلام.
للمقال بقيه " فوائد المشى حافى القدمين"...
د. أمير فهمى زخارى المنيا
-----------------------------------------------------------------------------------------
وهؤلاء الذين يحنون إلى حياة ما قبل ثورة 1952، أدعوهم إلى قراءة كتاب عميد الأدب العربي د. طه حسين “المعذبون في الأرض”.. والكتاب عبارة عن مجموعة قصصية من إحدى عشرة قصة.. تصور كيف إنقسم المصريون إلى فريقين.. أحدهما يمثل الأغلبية الساحقة البائسة التى تعانى الجوع والعرى والذل والهوان، وهؤلاء هم المعذبون في الأرض.. وأما الفريق الآخر فهم أقلية من الأثرياء تحيا فى تخمة ونعيم.. وفى مقدمة الكتاب كتب طه حسين الإهداء التالى:– إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل.. وإلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل.. إلى الذين يجدون مالاينفقون.. وإلى الذين لايجدون ماينفقون.. ولم يتمكن طه حسين من نشر كتابه طوال زمن الملك فاروق وتمت مصادرته..