كتب - محرر الاقباط متحدون
وجه المفكر والطبيب خالد منتصر، رسالة بعنوان "#درسوا_نزار_في_مقرر_العربي_بالثانوية"، وكتب منتصر عبر صفحته الرسمية على فيسبوك :"
أعشق نثر نزار قبانى بنفس الدرجة التى أعشق بها شعره، فقصائده ملء السمع والبصر، ومعظمها طار على أجنحة الموسيقى كأغنيات قدمتها أهم حناجر الطرب العربية، ولكن كتاباته النثرية، خاصة سيرته الذاتية، مظلومة ومنفية ومهجورة، وللأسف غطت شهرة شعره على هذه الدرر النثرية التى أعتبرها دروساً فى حب اللغة وبلاغتها وجمالها وسلاستها.
عدت هذه الأيام لقراءة كتابى السيرة الذاتية اللذين كتبهما نزار وهما «قصتى مع الشعر» و«ما هو الشعر»، بمناسبة الاحتفال بذكراه، وتخيلت لو أننا اقتبسنا أجزاء من نثر هذا الشاعر الكبير فى كتب القراءة بالثانوية العامة لحققنا إنجازاً رائعاً، وإذا كانت وزارة التربية والتعليم رافضة لدخول شعره قدس أقداس الثانوية العامة فلتسمح بدخول كتاباته النثرية بدلاً من موضوعات القراءة الرشيدة التى تفرضها على شبابنا وتجعلهم يكرهون اللغة العربية كراهية التحريم.
أراهنكم أن نثر نزار قبانى سيصالح هذا الجيل على لغته المهجورة، وسأقتبس لكم بعض السطور التى كتبها عن داره الدمشقية لتتأكدوا من أننى سأكسب الرهان.
كتب نزار:
هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان فى قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة. إننى لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ، ولكن ثقوا أننى بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر وإنما أظلم دارنا. بوابة صغيرة من الخشب تنفتح.
ويبدأ الإسراء على الأخضر، والأحمر، والليلكى، وتبدأ سيمفونية الضوء والظل والرخام، شجرة النارنج تحتضن ثمارها، والياسمينة ولدت ألف قمر أبيض وعلقتهم على قضبان النوافذ، وأسراب السنونو لا تصطاف إلا عندنا، أسود الرخام حول البركة الوسطى تملأ فمها بالماء، وتنفخه، وتستمر اللعبة المائية ليلاً ونهاراً، لا النوافير تتعب، ولا ماء دمشق ينتهى. الورد البلدى سجاد أحمر ممدود تحت أقدامك. والليلكة تمشط شعرها البنفسجى.
القطط الشامية تصعد إلى مملكة الشمس لتمارس غزلها ورومانتيكيتها بحرية مطلقة، وحين تعود بعد هجر الحبيب ومعها قطيع من صغارها ستجد من يستقبلها ويطعمها ويكفكف دموعها، عشرون صحيفة فل فى صحن الدار هى كل ثروة أمى، كل زر فلٍ عندها يساوى صبياً من أولادها.. لذلك كلما غافلناها وسرقنا ولداً من أولادها.. بكت.. وشكتنا إلى الله.
ضمن نطاق هذا الحزام الأخضر.. ولدت، وحبوت، ونطقت كلماتى الأولى، كان اصطدامى بالجمال قدراً يومياً، كنت إذا تعثرت أتعثر بجناح حمامة، وإذا سقطت أسقط على حضن وردة. كان هذا البيت هو نهاية حدود العالم عندى، كان الصديق، والواحة، والمشتى، والمصيف،
أستطيع الآن أن أغمض عينى وأعد مسامير أبوابه وأستعيد آيات القرآن المحفورة على خشب قاعاته، أستطيع الآن أن أعد بلاطاته واحدةً..واحدة.. وأسماك بركته واحدةً.. واحدة\.. وسلالمه الرخامية درجةً..درجة، أستطيع أن أغمض عينى، وأستعيد، بعد ثلاثين سنة مجلس أبى فى صحن الدار، وأمامه فنجان قهوته، وعلبة تبغه، وجريدته، وعلى صفحات الجريدة تساقط كل خمس دقائق زهرة ياسمين بيضاء، كأنها رسالة حب قادمة من السماء.
وأرفق منتصر منشوره بصورة لقباني كتب عليها قوله الذي يفضح تداعيات الفكر المتشدد السبب في قمع المرأة في البلاد العربية الاسلامية وهو "كيف تريد ان تسمع صوت المراة اذا كان الرجل العربي يفضلها خرساء بلهاء وأمية ."