محرر الأقباط متحدون
"إنَّ يسوع الراعي الصالح يدعونا بأسمائنا ويعتني بنا بحنان لا متناهي. إنه الباب ومن يدخل من خلاله تكون له الحياة الأبدية: لذلك فهو مستقبلنا، مستقبل "حياة تفيض فينا". لذلك، لا نشعرنَّ أبدًا بالإحباط، ولا نسمحنَّ لأحدٍ بأن يسلبنا الفرح والسلام اللذين أعطانا يسوع إياهما، ولا ننغلقنَّ في المشاكل أو اللامبالاة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في ساحة "Kossuth Lajos" في بودابست
 
في إطار زيارته الرسوليّة إلى المجر ترأس قداسة البابا فرنسيس عند الساعة التاسعة والنصف صباحًا القداس الإلهي في ساحة "Kossuth Lajos" في بودابست بحضور عدد كبير من المؤمنين وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها إنَّ الكلمات الأخيرة التي قالها يسوع في الإنجيل الذي سمعناه تلخص معنى رسالته: " أَمَّا أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم". هذا ما يفعله الراعي الصالح: يبذل حياته في سبيل خرافه. وهكذا يسوع، كراعٍ يذهب بحثًا عن قطيعه، جاء ليبحث عنا بينما كنا ضائعين؛ وكراعٍ جاء لكي ينتزعنا من الموت؛ وكراعٍ يعرف خرافه ويحبها بحنان لا متناهٍ، أدخلنا إلى حظيرة الآب، وجعلنا أبناءه.
 
تابع البابا فرنسيس يقول لنتأمل إذن صورة الراعي الصالح، ولنتوقّف عند عملين يقوم بهما، بحسب الإنجيل، من أجل خرافه: أولاً يدعوها ثم يخرجها. أولاً "يدعو خرافه". في بداية تاريخنا الخلاصي، لا نوجد نحن مع استحقاقاتنا وقدراتنا وهيكلياتنا؛ وإنما هناك في الأصل دعوة الله، ورغبته في أن يبلغنا، واهتمامه بكل واحد منا، ووفرة رحمته التي تريد أن تخلصنا من الخطيئة والموت، لكي تعطينا الحياة بوفرة وفرحًا لا نهاية له. لقد جاء يسوع كراعٍ صالح للبشرية لكي يدعونا ويعيدنا إلى البيت. لذلك، وإذ نتذكر بامتنان، يمكننا أن نتذكّر حبه لنا، نحن الذين كنا بعيدين عنه. نعم، عندما "ضللنا كالغنم" و"كلُّ واحد مال إلى طريقه"، أخذ على عاتقه آثامنا وحمل خطايانا، وأعادنا إلى قلب الآب. هكذا سمعنا من الرسول بطرس في القراءة الثانية: "فقَد كُنتُم كالغَنَمِ ضالِّين، أَمَّا الآن فقَد رَجَعتُم إِلى راعي نُفوسِكم وحارِسِها". واليوم أيضًا، في جميع ظروف الحياة، في ما نحمله في قلوبنا، في ضياعنا، في مخاوفنا، في الشعور بالهزيمة الذي ينقضُّ علينا أحيانًا، وفي سجن الحزن الذي يهدد بحبسنا، هو يدعونا. يأتي كراعٍ صالح ويدعونا باسمائنا، لكي يقول لنا كم نحن ثمينون في عينيه، لكي يشفي جراحنا ويأخذ على عاتقه ضعفنا، ويجمعنا في الوحدة في حظيرته، ويجعلنا في ألفة مع الآب ومع بعضنا البعض.
 
أضاف الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات، فيما نحن هنا هذا الصباح، نشعر بفرح كوننا شعب الله المقدس: لقد ولدنا جميعًا من دعوته؛ وهو الذي دعانا ولذلك نحن شعبه، قطيعه، وكنيسته. لقد جمعنا هنا لكي، وعلى الرغم من أننا مختلفون عن بعضنا البعض وننتمي إلى جماعات مختلفة، تجمعنا عظمة حبه جميعًا في عناق واحد. ما أجمل أن نكون معًا: أساقفة وكهنة، رهبان ومؤمنون علمانيون، ومن الجميل أن نتقاسم هذا الفرح مع الوفود المسكونية ورؤساء الجماعة اليهودية وممثلي المؤسسات المدنية والسلك الدبلوماسي. هذه هي الكثلكة: جميعنا مسيحيين، وقد دعانا الراعي الصالح بأسمائنا، نحن مدعوون لكي نقبل محبته وننشرها، ولكي نجعل حظيرته ادماجية وغير حصرية أبدًا. وبالتالي، نحن مدعوون جميعًا لكي نعزز علاقات أخوة وتعاون، دون أن ننقسم فيما بيننا، وبدون أن نعتبر جماعاتنا بيئة تقتصر على أشخاص معيّنين، وبدون أن ننشغل بالدفاع عن فسحاتنا الشخصيّة، وإنما من خلال الانفتاح على الحب المتبادل.
 
تابع البابا فرنسيس يقول بعد أن يدعو الراعي الخراف، "هو يخرجها". لقد دعاها أولاً لكي تدخل الحظيرة وهو الآن يدفعها لتخرج. نحنُ نُجمَع أولاً في عائلة الله لكي يُقيمنا بعدها كشعبه، ولكننا بعد ذلك نُرسل إلى العالم لكي نصبح بشجاعة وبدون خوف معلنين للبشرى السارة، وشهودًا للحب الذي خلقنا مجدّدًا. هذه الحركة - الدخول والخروج – يمكننا أن نفهمها من صورة أخرى يستخدمها يسوع: صورة الباب، إذ يقول: "أَنا الباب فمَن دَخَلَ مِنِّي يَخلُص يَدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرْعًى". لنُصغِ مُجدّدًا إلى هذا: يَدخُلُ ويَخرُجُ. من جهة، يسوع هو الباب الذي انفتح على مصراعيه لكي يُدخلنا في شركة الآب ونختبر رحمته؛ ولكن، كما يعلم الجميع، لا يتم استخدام الباب المفتوح للدخول فحسب، وإنما أيضًا للخروج من المكان الذي نتواجد فيه. وبالتالي، بعد أن يكون قد أعادنا إلى حضن الله وإلى حظيرة الكنيسة، يجعلنا يسوع الذي هو الباب نخرج إلى العالم: هو يدفعنا لكي نذهب للقاء الإخوة. لنتذكّر هذا الأمر جيّدًا: جميعنا، بدون استثناء، مدعوون إلى هذا، لكي نخرج من مناطق راحتنا ونتحلّى بالشجاعة لكي نبلغ كلَّ ضاحية تحتاج إلى نور الإنجيل.
 
أضاف الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات، أن نكون في خروج وانطلاق يعني أن يصبح كل واحد منا، مثل يسوع، بابًا مفتوحًا. إنه لأمر محزن ومؤلم أن نرى الأبواب المغلقة: أبواب أنانيتنا المغلقة تجاه الذين يسيرون بقربنا يوميًّا؛ أبواب فردانيّتنا المغلقة في مجتمع يخاطر في أن يضيع في الوحدة؛ أبواب اللامبالاة المغلقة تجاه الذين يعيشون في الألم والفقر؛ الأبواب المغلقة أمام من هو غريب ومختلف ومهاجر وفقير. وحتى الأبواب المغلقة لجماعاتنا الكنسية: مغلقة بيننا، ومغلقة تجاه العالم، ومغلقة في وجه "المقيمين بصفة غير قانونيّة"، ومغلقة تجاه الذين يتوقون إلى مغفرة الله. من فضلكم: لنفتح الأبواب! لنحاول أن نكون نحن أيضًا - بالكلمات والتصرفات والنشاطات اليومية - مثل يسوع: باب مفتوح، باب لا يُغلق أبدًا في وجه أي شخص، باب يسمح للجميع بالدخول واختبار جمال محبة الرب ومغفرته.
 
تابع الحبر الأعظم يقول أكرر هذا بشكل خاص لنفسي، ولإخوتي الأساقفة والكهنة: لنا نحن الرعاة. لأن الراعي، يقول يسوع، ليس لِصًّا أو سارِقًا؛ أي أنه لا يستغل دوره، ولا يضطهد القطيع الموكل إليه، ولا "يسرق" فسحة الإخوة العلمانيين، ولا يمارس سلطة صارمة. لنتشجّع لكي نكون أبوابًا مفتوحة على الدوام: "مُسهِّلين" لنعمة الله، وخبراء قرب، مستعدين لبذل حياتهم، تمامًا كما يعلمنا يسوع المسيح، ربنا وكلّنا، بأذرع مفتوحة من على الصليب وكما يظهر لنا في كل مرة على المذبح، الخبز الحي المكسور لنا. أقول هذا أيضًا للإخوة والأخوات العلمانيين، لأساتذة التعليم المسيحي، للعاملين الرعويين، وللذين لديهم مسؤوليات سياسية واجتماعية، وللذين ببساطة يسيرون قدمًا بحياتهم اليومية، بصعوبة أحيانًا: كونوا أبوابًا مفتوحة. لنسمح لرب الحياة أن يدخل إلى قلوبنا، وكلمته التي تعزي وتشفي، لكي نخرج بعدها ونكون بدورنا أبوابًا مفتوحة في المجتمع. علينا أن نكون منفتحين وإدماجيين تجاه بعضنا البعض، لكي نساعد المجر لكي تنمو في الأخوّة، درب السلام.
 
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيها الأعزاء، إنَّ يسوع الراعي الصالح يدعونا بأسمائنا ويعتني بنا بحنان لا متناهي. إنه الباب ومن يدخل من خلاله تكون له الحياة الأبدية: لذلك فهو مستقبلنا، مستقبل "حياة تفيض فينا". لذلك، لا نشعرنَّ أبدًا بالإحباط، ولا نسمحنَّ لأحدٍ بأن يسلبنا الفرح والسلام اللذين أعطانا يسوع إياهما، ولا ننغلقنَّ في المشاكل أو اللامبالاة. وإنما لنسمح لراعينا بأن يرافقنا: معه تتألق حياتنا وعائلاتنا وجماعاتنا المسيحية والمجر بأسرها بحياة جديدة!