بمناسبة قراءات الأحد الثاني من الخمسين المقدّسة:
باقة من أقوال الآباء عن سرّ الإفخارستيا (2)
رابعًا: القدّيس يوحنّا ذهبيّ الفم (347-407م):
القمص يوحنا نصيف
+ "وقدَّموا العِجل المسمَّن.." مَن هو هذا إلاّ المسيح بكلّ تأكيد، الذي يُعطَى بعد المعموديّة للمستحقّين. (عظة في شرح مَثَل الابن الضال).
+ إنّ هذا السرّ يُحوِّل لك الأرض سماءً، وأنت لازلتَ ههنا؟!
افتح إذن أبواب السماء واعبر، بل وليس فقط السماء بل سماء السموات!
مَن هو أكرم من الكلّ هناك، سأريه إيّاك موضوعًا لك على الأرض..
ليس فقط تنظره، بل وتُمسِكه أيضًا! وليس فقط تُمسِكه، بل وتأكله ايضًا! وبعد أن تقبله تُساكنه على انفراد..!
نظِّف إذن الآن نفسك، وأعدِد ذهنك لقبول هذه الأسرار. (عظة 34 عن ميلاد المسيح).
+ بأيّ طهارة فائقة، ينبغي أن يكون مَن يتناول من هذه الذبيحة؟ وألا ينبغي أن تكون تلك اليد التي تقسم هذا الجسد أكثر نقاوة من الشمس؟! وذلك الفم الذي يتناول النار الروحيّة، وذلك اللسان الذي يصطبغ بالدم الرهيب؟!!
انظر إلى مقدار الكرامة التي دُعِيتَ إليها، وإلى سموّ المائدة التي ستشترك فيها. فما ترتجف الملائكة من مجرّد رؤيته، ولا تجسر أن تنظر إليه بدون رعدة، بسبب شدّة الضوء المنبعث منه، هذا بعينِه نأكُل منه ونمتزج به. (عظة 82 في شرح إنجيل متّى)
+ ما هو هذا الخبز؟
إنّه جسد المسيح!
وماذا يصير المتناولون منه؟
جسد المسيح!
ليسوا أجسادًا متعدّدة، بل هم جسد واحد.
فكما أنّ الخبز الذي يتكوّن من حبّات كثيرة يكون واحدًا، حتّى أنّ الحبّات لا تظهر البتّة، ومع أنّها موجودة لكن الفرق بينها غير واضح بسبب الاتّحاد. هكذا نحن أيضًا نتّحد بعضنا مع بعض، ومع المسيح.
لأنّك لا تأكُل من جسدٍ، وغيرك من جسدٍ آخَر، بل الجميع يأكلون من الواحد بعينه.
فإن كُنّا جميعًا نأكُل من الواحد، بل ونصير جميعًا هذا الواحد، فلماذا لا نُظهِر محبّة واحدة، ونصير بذلك أيضًا واحدًا؟! (عظة 24 في شرح رسالة كورنثوس الأولى).
+ من الضروري أن نتعرَّف على المعجزة الحادثة في الأسرار، وما هي؟ ولماذا وُهِبَت لنا؟ وما المنفعة من هذا الفِعل؟
إنّنا نصير بها جسدًا واحدًا، وكما يقول "أعضاء من لحمه ومن عظامه" (أف5: 30).
ليتابع جيِّدًا المتقدّمون (للتناوُل) أقوالي هذه، فلكي لا نكون هكذا (أي أعضاءه) بحسب مشاعر المحبّة فقط، بل وبالفِعل الواقعي أيضًا، نحن نمتزج بهذا الجسد.
وهذا يتمّ بالمأكل الذي وهبه لنا، مُريدًا أن يبيِّن لنا مقدار شوقه لنا.
لذلك فقد مَزَجَ نفسه بنا، بل قد عَجَنَ نفسه بنا، حتّى نصير كيانًا واحدًا معه، كجسد متّحد برأس. (عظة 46 في شرح إنجيل يوحنّا).
+ كما أنّ ابن الله اشتركَ في طبيعتنا، هكذا نحن أيضًا اشتركنا في كيانه.
وكما أنّه هو يقتنينا في ذاته، هكذا نحن نقتنيه في ذواتنا. (عظة 20 في شرح رسالة أفسس).
خامسًا: القدّيس مكاريوس الكبير (300-390م):
+ إنّه يقول عن نفسه إنّه "خبز الحياة"، وإنّ الذين يأكلون جسده ويشربون دمه يحيون إلى الأبد (يو6).. فهو يُعطِي النفوس المستحقّة روح ألوهيّته، طعامًا وحياةً لها. لأنّ الذين يتناولون بحقٍّ خبز الإفخارستيا يؤهَّلون لأن يصيروا شركاء الروح القدس، وهكذا تستطيع النفوس القدّيسة أن تحيا إلى الأبد.
+ فكما أنّ الذي يشرب الخمر تتغلغل الخمر في جميع أعضائه، فتكون الخمر فيه وهو في الخمر، هكذا مَن يشرب دم المسيح. لأنّ روح الألوهة الذي شربه يتغلغل في النفس الكاملة.. هكذا حينما تتقدّس النفس تتأهَّل لملازمة الربّ. فإنّ الرسول يقول: "وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا" (1كو12) (عظة 22)
[المرجع: مع المخلّص في كلّ ما فعله من أجلنا - الكتاب الثاني - مركز باناريون للتراث الآبائي]
القمص يوحنا نصيف