ياسر أيوب
كانت المصادفة وحدها وراء اكتشاف إحدى أجمل حكايات كرة القدم في العالم وأحد أهم أفلامها أيضا.. فقد كان أستاذ التاريخ الرياضى الأمريكى تشاك كور في زيارة لجنوب إفريقيا..
وعثر في إحدى مكتباتها القومية على مجموعة أوراق قديمة تتضمن تفاصيل ما جرى في الستينيات في جزيرة روبين التي كانت مجرد سجن كبير وأشهر السجناء فيه نيلسون مانديلا..
وأصبحت كرة القدم وسيلة وحيدة للبهجة لكثير من المساجين رغم أنهم يلعبونها بكرات من ورق وقش داخل زنازين معتمة.. وفى 1964 فوجئ خمسة مساجين في مكتبة السجن بكتاب يشرح قانون كرة القدم.. تحمسوا وقرروا تنظيم مباريات حقيقية داخل السجن لكن قوبل طلبهم بالرفض أكثر من مرة ولم يستسلموا وتحملوا العقاب والحرمان من الطعام حتى استجابت لهم الإدارة بعد ثلاث سنوات..
وقرر هؤلاء المساجين تأسيس اتحاد كرة خاص بهم أطلقوا عليه اتحاد ماكانا وصاغوا لائحة لتنظيم بطولة رسمية داخل السجن تلتزم بقانون الفيفا.. وفوجئت إدارة السجن بكل ذلك وتحمس مسؤولو السجن لهذا الجنون الكروى فقرروا تقديم كرات حقيقية وملابس رياضية خاصة بكل فريق..
وكان الاتحاد يجتمع كل مساء لاعتماد النتائج وتوقيع العقوبات على المخالفين وإرسالها مكتوبة على ورق لكل فريق في زنزانته.. وكان مانديلا أحد المساجين القليلين الذين رفضت إدارة السجن السماح لهم حتى بالفرجة على المباريات بقصد حرمانهم حتى من البهجة الكروية، ورغم ذلك نجح مانديلا في التسلل أحيانا والفرجة على المباريات..
وأصبح أحد المساجين الذين شاركوا في البطولة قاضيا للمحكمة الدستورية وآخر أصبح وزيرا للرياضة.. وتضمنت تلك الأوراق التي عثر عليها الأستاذ الأمريكى الكثير من وقائع وتفاصيل هذه الحكاية التي استمرت 20 سنة..
فقرر أن يذهب بها إلى أنانت سينج وهو منتج سينمائى في جنوب إفريقيا وأصبح فيما بعد عضوا باللجنة الأوليمبية الدولية.. ولم يتردد أنانت في تحويل الحكاية إلى فيلم عنوانه أكثر من مجرد لعبة كتبه توم إيستون وأخرجه جونيد أحمد.. وتم عرض الفيلم لأول مرة في 2007، وذلك في حفل خاص أقيم في جزيرة روبين نفسها بحضور مسؤولى الفيفا وبعض كبار نجوم الكرة في العالم.. وقرر الفيفا منح عضويته الشرفية لاتحاد ماكانا كأنه اتحاد محلى لدولة قائمة..
وأشاد الجميع بالفيلم والحكاية كلها التي كانت استثنائية جدا في عالم كرة القدم.. فعن طريق كرة القدم اكتسب مساجين كثيرون القوة والصلابة والقدرة على الاستمرار وراء قضبان قاسية.. وأكد كثيرون أن هذه الحكاية لا تخص جنوب إفريقيا فقط إنما هي رسالة للعالم كله عما تستطيعه كرة القدم.. وغير الفيلم.. جمع الأستاذ الأمريكى تشاك كور كل تفاصيل الحكاية في كتاب حمل نفس الاسم..
أكثر من مجرد لعبة.. وهى الجملة التي كان مانديلا نفسه أول من قالها حين وصف ما جرى في السجن مؤكدا أن كرة القدم ساعدت الجميع وقتها على تحمل كل ما عاشوه من عذاب وحرمان وراء القضبان
تقلا عن المصرى اليوم