سمير مرقص
(1) «المواطنة الرقمية»
قبل الثورة الرقمية، كان على المواطن كى يمارس مواطنته بفعالية أن يبذل جهدًا كبيرًا فى دوائر الحركة التى يتحرك فيها: الخاصة Private، والشخصية Personal، والسياسية Political، والعامة؛ (أو ما أطلقنا عليها الـ4PS).. فعلى سبيل المثال، كان على المواطن الفرد كى يكون فاعلا فى الحياة السياسية أن ينخرط فى العمل السياسى/ الحزبى، وممارسة كل ما يستوجبه العمل السياسى «فيزيقيًا» من: حضور اجتماعات تنظيمية، وجولات حزبية مركزية وطرفية، ومؤتمرات عامة.. إلخ.
أما بعد الثورة الرقمية، فلقد بات المواطن بإمكانه أن يمارس العمل السياسى عبر تقنيات التواصل الاجتماعى المتنوعة، فيما بات يُعرف بـ«المواطنة الرقمية» Digital Citizenship؛ (قمنا بتعريف القارئ بهذا المصطلح فى كتاباتنا، وهناك من يستخدم مفردة أخرى هى المواطنة الشبكية أو Net Citizenship)؛ فى إطار ما اصطلح على تسميته الديمقراطية الإلكترونية أو E-Democracy؛ حيث يمكن للمواطن أن يمارس السياسة عبر التكنولوجيا الرقمية، فيتم تنظيم الجلسات عبر التطبيقات المختلفة عن بعد.
وفى هذا المقام، يشرح لنا «ريمى ريفيل» فى كتابه «الثورة الرقمية: ثورة ثقافية» كيف دعّمت «ثورة التكنولوجيا الرقمية»: المواطنة فى مرحلتها الجديدة.. فيرجع بدايتها إلى عام 2005 فى فرنسا عندما تواصل المواطنون فى حوار سياسى عميق عن الموقف من «استفتاء 2005 حول الدستور الأوروبى»، وكيف أظهرت البحوث أن هناك رأيا عاما واسعا لديه وجهة نظر مخالفة لموقف «الطبقة السياسية».
والإعلام التقليدى الذى لم يُعنَ بأن يتيح فرصة «للإعلام غير الظاهر أو الطافى»، ثم ترسيخ المواطنة الرقمية فى الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية لباراك أوباما فى 2008، حيث كان لـ«المدونات والشبكات الاجتماعية ولاسيما الفيسبوك» تأثيرها الحاسم خاصة فى وسط الشباب.
(2) «حقبة التشارك والانقطاع والإبداع»
ترصد كثير من الدراسات، التى عنيت بالنقاشات الخاصة بانخراط المواطنين ـ الجدد ـ الرقميين؛ أن ذلك كان إيذانًا بميلاد حقبة التشارك وإحياء النقاش العام وتشجيع التفكير الجمعى وإيجاد البدائل المختلفة، والعمل بشتى الوسائل على تنفيذ ما يصب فى الصالح العام، إضافة إلى تبادل الآراء، والتعلم، والتواصل بين الخبراء والمواطنين، واختبار الأفكار.. إلخ.
وهكذا تأسس التواصل القاعدى الشبكى الواسع بين المواطنين على اختلافهم بفعل التقدم المطرد للتكنولوجيا الرقمية أو ما بات يعرف بـ«تقنيات التواصل الاجتماعى»، التى ولد من طفراتها المذهلة ما يمكن أن نطلق عليه: «مواطن الشبكة» «Netizen»؛ (وهو مصطلح استخدمناه مبكرا، اعتمدته أدبيات المواطنة ـ وعرفنا به فى كتابنا المواطنة والتغيير ـ 2006).
ويبدو لى أن هذا التواصل قد جاء مواكبا لجيل «جوجل»- إن جاز التعبير- بما يحمل من سمات مغايرة تماما عن الأجيال التى سبقته أو «أجيال ما قبل جوجل». فجيل جوجل «يتسم بالاستقلالية، والقطع مع الماضى، والبحث الذاتى عن المعلومة، والقدرة على جديد المعرفة من مصادرها، والتمرد على المرجعيات التقليدية ومؤسسات التنشئة التقليدية، والإكليشهات، والإجابات النمطية.. ومن ثم التجدد والإبداع».
(3) «صدامات واشتباكات ونزالات رقمية»
وبالطبع، لا تتوقف المواطنة الرقمية على السياسة فقط، وإنما تمتد إلى الاقتصاد والثقافة وشؤون المجتمع والرياضة والفن والأدب والدين والحضارة والتاريخ.. إلخ، وكل مناحى الحياة.. وبالرغم مما خلقته «المواطنية الشبكية»- إن جاز التعبير- عبر صداقات المنتديات والمنصات والمجموعات المغلقة والمتآلفة والتبادلية من: أولا: «براح» لمواطنى الشبكة للتعبير عن أنفسهم، وثانيا: المشاركة فى إبداء الرأى، وثالثا: الاستنفار بلا توقف، أو كما يقولون (24 /7).
ومن ثم الاشتباك الفورى والمباشر مع الأحداث فور حدوثها، ورابعا: فتح المجال أمام كل وجهات النظر بغض النظر عن خلفياتها التعليمية والثقافية- إلا أننا نجد غير قليل من عمليات التواصل الاجتماعى قد تحولت إلى صدامات واشتباكات ونزالات.
وبدلا من الاستفادة من التقنية الرقمية فى إنتاج إبداعات معتبرة تضاف إلى تراث الإبداع الوطنى، نجد تخندقًا حول أفكار مبتسرة، وتصلبًا لآراء سطحية، وترويجًا لقيم هابطة.. إلخ.
إن الإطلالة السريعة على المحتوى الرقمى فى عمومه سوف تشير إلى أننا نعيش حالة من السجال الرقمى.. وقلما نجد نقاشا جادا تفاعليا يؤسس لإبداع جديد ومعرفة ومتعة تنعش العقل والروح.
نقلا عن المصرى اليوم