هاني لبيب
هل فقدت الدبلوماسية المصرية ريادتها حسبما يكتب البعض؟ وهل فقدت مصر دورها كما كتب البعض الآخر؟
تفرض الجغرافيا السياسية ثوابت محددة على أى دولة فى العالم، وتعد مصر نموذجًا لما سبق، بداية من موقعها المتميز الذى أسهم فى أن تكون فى قلب المنطقة، مرورًا بتاريخها على مر العصور، سواء كان تاريخها الداخلى أو فى علاقتها الخارجية بكافة دول العالم، وصولًا إلى القوة البشرية المتميزة من خبرات متنوعة للتركيبة السكانية المصرية.
تمثل الجغرافيا السياسية قوة تراكمية على مر السنوات، أى أن قوة مصر ليست وليدة اللحظة أو المصادفة، بل تتميز بأبعادها المختلفة طبقًا للمصالح والمتغيرات والمعطيات.. وهو ما يظهر بوضوح فى دور مصر من خلال خبرتها لسنوات طويلة فى عملية السلام على مستوى المنطقة العربية كلها، سواء فى العلاقات العربية - الإسرائيلية، أو فى العلاقات العربية - العربية، وعلى مستوى العالم بتحالفاته المتغيرة.
من يردد أن مصر فقدت دوريها السياسى والتاريخى فى المنطقة العربية، يتجاهل حقيقة المعطيات والمتغيرات الجديدة فى المنطقة العربية والعالم. وهى متغيرات تفرض فى الكثير من الأحيان الظهور والقيادة والريادة، كما تتطلب فى أحيان أخرى دعم ومساندة دول أخرى.. وهو دليل على قدرة مصر الكبيرة على التفاوض وإدارة الأزمات من خلال منهج الملفات السياسية المتخصصة.. وذلك مع التأكيد على وجود أجندات خاصة لبعض الدول التى تحقق مصالحها بالدرجة الأولى حتى لو تعارضت تلك المصالح وتقاطعت مع السياسة الخارجية المصرية، فضلًا عن عدم تقبل بعض الدول ذات المكانة الاقتصادية المستقرة أو المتميزة فى منطقتنا أن تكون خارج سياق اللاعب رقم 1 فى التعامل مع القضايا العربية وتشابكاتها.
للتاريخ.. المتتبع للمشهد العربى العام يستطيع أن يرصد دور مصر كعامل توازن فى الملف الفلسطينى الإسرائيلى، كما يلحظ دورها فى دعم الملفات العربية فى العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى وروسيا والصين، ونموذج ذلك الدال التحذيرات المصرية من ترك قضايا دعم بعض الدول للإرهاب وإيواء المتطرفين والهجرة غير الشرعية.
ما نحتاجه حقيقة هو دور الإعلام والمجتمع المدنى؛ الإعلام فى التوعية بحقيقة ما يحدث من خلال صحة المعلومات ودقتها وتحليلها فى سياق المتغيرات السريعة بمنطقتنا وعلاقة ذلك بالتوازنات الدولية، وأيضًا الدور الذى تقوم به منظمات المجتمع المدنى فى دعم ومساندة الدور الدبلوماسى للدول الآن فى الكثير من الأحيان، وهو الدور الذى يمكن أن يصب فى رصيد المساندة الوطنية وليس التبعية المالية.
الكلمات السابقة هى تقريبًا الدائرة المغلقة نفسها التى ندور بداخلها منذ الحديث عن «الفوضى الخلاقة» و«الشرق الأوسط الجديد»، وقبلها «نهاية التاريخ» و«صدام الحضارات».
نقطة ومن أول السطر..
أؤكد هنا حقيقة يهملها أصحاب الادعاءات الوهمية فى أن العمل الدبلوماسى يعتمد على التفاوض والضغط، وهما من العوامل التى تحتاج لقدر من السرية لكى يكون لها تأثير فعلى فى السياسة.. لأن التصدير الإعلامى فى تناول العلاقات الدولية يضرّ فى الكثير من الأحيان أكثر مما ينفع.. كما أن الدبلوماسية الحقيقية المؤثرة هى التى تعمل دون (طنطنة) إعلامية للتلميع والظهور.
كلاكيت.. للمرة العاشرة والعشرين.
نقلا عن المصرى اليوم