محمود العلايلي
استمعت في افتتاح جلسات الحوار الوطنى لكلمات كل من السيد عمرو موسى، والدكتور حسام بدراوى، والأستاذ فريد زهران، وعليه أعبر عن احترامى لكلمة كل منهم على حدة، فرأيى في السيد عمرو موسى معلن في أكثر من فقرة من كتابى «الأيام المسمومة» كأحد أهم رجال السياسة في مصر.
والحقيقة أن الرجل يثبت ذلك في أي مجال متاح، سواء عندما كان مرشحًا رئاسيًا أو قائدًا لجبهة الإنقاذ الوطنى وبعدها كرئيس للجنة الخمسين، والآن نجده معبرًا عن المواطنين المصريين في خطاب وزن كل كلمة فيه بميزان عمرو موسى، فتكلم عن قلق المواطنين المصريين على مصير بلادهم، وذكر تساؤلاتهم عما يجرى، وعن فقه الأولويات في اختيار المشروعات.
وعن مبادئ الشفافية وحالة الديون وكيفية سدادها، وعن الحريات وضماناتها، وعن البرلمان وأدائه، وهروب الاستثمارات إلى أسواق أخرى، كما أضاف تساؤلات المصريين عن مجانية التعليم وعلاقة ذلك بجودته، ثم عن الزيادة السكانية وكيفية السيطرة عليها، ثم جاء للنقطة الأكثر حساسية وهى التساؤل عن مصير المحبوسين احتياطيًا، وطالب بصراحة بأنه آن أوان إغلاق ملف الحبس الاحتياطى.
أما الدكتور حسام بدراوى فقد تحدث عن كيفية الوصول إلى دولة مدنية حديثة كما ذُكر في الدستور، وكان تحليله واضحًا بذكر أن الوصول إلى ذلك يأتى بتغيير نظام الانتخابات البرلمانية القائم على القوائم المغلقة المطلقة، ثم بالتداول السلمى للسلطة، والالتزام بالمحددات الدستورية التي تحدد المدد الرئاسية وعدم العمل على تجاوزها.
بينما جاءت كلمة الأستاذ فريد زهران مغلفة بقدراته الفائقة على الإلقاء والارتجال حتى لو كانت كلمة مكتوبة، ولكنه ألقاها بشكل فيه انطلاق معبرًا عن حالة عدم الثقة الكامل بين المؤسسات الرسمية والمؤسسات السياسية المعارضة، وعلى الرغم من عدم تنفيذ كل ما اتُّفق عليه فقد عبر عن اهتمامه واهتمام التيار الذي ينتمى إليه (التيار المدنى الديمقراطى) بالمشاركة حتى لا تفوته فرصة يمكن أن تؤدى لبوادر إصلاح سياسى مبتغى.
والحقيقة أن الكلمات الثلاث التي استمعت لها كانت محملة بالإيجابية على الرغم مما حوت من مخاوف وقلق على مستقبل الدولة المصرية، وما أعنيه بالإيجابية هنا يأتى من فتح تلك الملفات علانية بعد سنين من الاكتفاء بالصوت الواحد وقتل السياسة وإغلاق المجال العام، مما يعطى إشارة إلى أنه في الإمكان إحداث شكل من أشكال التغيير ناتج عن فتح المجال لأصوات مغايرة بعيدة عن التوجيهات والتعليمات المباشرة، لأن الحالة تستدعى ذلك.
حيث إن المطالبة بالإصلاحات السياسية تتناسب تناسبًا عكسيًا مع الأوضاع الاقتصادية، ولذلك فمن الأسلم أن تكون المطالبات بالإصلاح والتغيير مطروحة بشكل علنى، عن أن تكون مكبوتة في الصدور، ومحبوسة في الحناجر.
ومع ما رأيته إيجابيًا، كان هناك بعض التعليقات من بعض الشخصيات التي لا يُرجى معها أي تغيير ولا يمكن في وجودها إحداث أي إصلاح، بل إن بعضهم هم الذين يجب أن ينالهم معول التغيير وتزيلهم جرافات الإصلاح، وهو ما يثير بعض القلق على مصير مخرجات هذا الحوار الوطنى المرتجى.
حتى لا نجد أنفسنا ندور في نفس الدوائر التي يديرها نفس الأشخاص، ولا يكون هذا الحوار إلا تفريجًا عن نفوس بعض القلقين على الحالة السياسية والاقتصادية الصعبة التي نحاول اجتيازها، حيث يتطلع المواطنون إلى أن يخرج ذلك الحوار بما يعبر عن مطالبهم بالحقيقة، وما يمس مصالحهم في الواقع، ولا يكون فقط وسيلة لرفع سقف الكلام على مستوى الدولة.
بينما يدور تحت ذلك السقف الأعلى ما كان يدور بالضبط تحت السقف الأدنى، من سياسات منتقدة وممارسات مرفوضة، في وقت وجد المواطن نفسه في أمس الحاجة للشعور بالأمان السياسى لعله يؤدى إلى إصلاح اقتصادى مبتغى.
نقلا عن المصرى اليوم